بقلم موسى الشديدي
تصوير: منير عبدالله​
تصوير: منير عبدالله – لبنان

 


من الخارج إلى الداخل 

في البدء عندما افتتحنا الحديث عن الإيمان و الدين نظرنا للمشكلة من منطلق مقارنة وكأننا وقتها كنا متأثرين بالمعيارية الغيرية و متخذين هوية ال(ستريت) كمعيار نقيس عليه ما يجب وما لا يجب، ولهذا كان ما نحاجج به بان “مثل ما الشخص الغيري حق اعتناق الإسلام أو المسيحية أو الهندوسية الشخص المثلي يمكنه ذلك أيضا”.
وبأن تهميش المثلي المؤمن يحتوي في طياته على توجيه ضمني بأن الدين يلائم الشخص الغيري فقط وبأن الشخص المثلي لا يحق له أن يكون مؤمنا، اي بمعنى لا يحق له ما يحق للغيري، وهنا سأعتبر أننا جميعا نتفق بأنه خطاب اقصائي بشكل واضح، سرعان ما طورنا حججنا مبتعدين عن المعيارية الغيرية في الرد عليه إلى ما هو مرتبط أكثر بالصراعات الجنس-دينية الهوياتية التي يولدها المجتمع لدى الأشخاص المثليين.

 


من الداخل الى الخارج 

وبدأنا الحديث عن قمع الهوية لأصحابها كضريبة لما توفره من وحدة مساندة ودعم وانتماء، وفكرة أن الانخراط بهوية معينة يستوجب تلبية شروط محددة، بمعنى انك في سبيل أن تصبح مثلي يجب أن تقوم بكذا وكذا وكذا – كما هو حال الهوية الدينية اليوم وارتباطها باداء طقوس محددة – ليتم الاعتراف بك كمثلي او على الاقل مثلي بشكل صحيح وصالح – من قبل “المثليين الصالحين” الملبين لشروط الاندماج والامتزاج للجماعة – وليس فقط بتعريف نفسك كمثلي.
وهنا ننتقل مما إذا كان المثلي قادرا على اعتناق دين محدد أو أداء طقوس ذلك الدين دون أن يتم التنمر عليه، إلى ما هو مغروس في رؤوسنا من مواصفات للمثلي “الصحيح و الحقيقي” ومن هو غير ذلك، من نستطيع الاعتراف به كمثلي ومن لا نستطيع ذلك، وليس ما اذا الشخص نفسه يريد أن يعرف نفسه كمثلي ام لا.

 

القمع و إنتاج الهوية

لتتوقف الهوية عن كونها أمر شخصي وإنما تصبح وكأن تقمصها بحاجة لموافقة المجموعة وفق معايير معينة غير واضحة بشكل دائم، لنجد هؤلاء ” المثليين غير الصالحين ” غير المحققين لتلك المعايير المطلوبة في الحقيقة سيكونون ردة فعل – لذلك القمع تعبيرا عن حزنهم وغضبهم تجاه عدم تقبل انخراطهم الكامل في تلك الهوية بسبب هويتهم الدينية – ضد “المثليين الصالحين” مستخدمين الحجج ذاتها المرتبطة بالصلاح ووضع تعريف محدد للمثلي الصحيح وما دونه الغير الصحيح و المرفوض والذي لا يعبر عن ال “gayness” ليكون الفرد هنا مسلما او مسيحيا او هندوسيا قبل ان يكون مثلي لانه تعرض للقمع بناء على هويته الدينية في هذه الحالة، والطرف القامع لا يجد مشكلة في هويته الجنسية لأنه يتشاركها جزئيا معه، وكأن نوع القمع هو الذي يحدد لنا أي هوية تلك التي تطفو على السطح لنتحدث بلسانها.

ويجب التنويه بأن المذكور أعلاه لا يعني بأن الهوية الدينية هي ذاتها بتفاعلاتها وتداخلاتها عند الأشخاص المثليين و الغيريين على حد سواء، وكما تختلف الهوية الدينية عند الشخص المثلي عنها عند الشخص الغيري كذلك الهوية الجندرية مثالا، فهوية الرجل لدى الشخص المثلي تختلف عن هوية الرجل لدى الشخص الغيري في تفاعلاتها وتداخلاتها، ويبقى الأمر عائدا الى الشخص ذاته في البحث عن طريقة لحل الصراع الهوياتي بما يناسبه و يناسب سياقه المجتمعي، ففي الوقت الذي يجد المجتمع فيه الهوية المثلية انتقاص من الهوية الرجولية – خصوصا ما إذا كان المثلي مفعولا به أو مؤنث – وبان المثلي لا يمكنه أن يكون رجلا، وما قد يكون مسببا للتعامل المثليين مع الرجولة النمطية كنوع من الديانة بالمقابل.

فكما يوجد ما يتطلبه الشخص كي يُعَرفْ نفسه مثليا كذلك هو الحال كي يعرف الشخص نفسه رجلا بعين المجتمع -على الاقل- وأحد هذه المتطلبات ألا يكون مؤنثا أو مفعولا به، البعض يخضع لذلك عن طريق تخليه عن الهوية الرجولية والبعض يخضع عن طريق إخفائه لهويته المثلية – أو تحديد ممارساته الجنس-مثلية بما لا يعتبر انتقاص للفحولة في المجتمع كأن يكون فاعلا فقط او ان يقوم ببناء عضلات جسمه في النادي الرياضي كنوع من تقمص شكل رجولي وتعويض ما تم “فقدانه” من فحولة بسبب تلك الهوية المثلية – والبعض يحاول إيجاد توازن مناسب و تأويل للرجولة مختلف عن تأويل المجتمع يمكنه التوافق مع هويته المثلية، وهذا بالضبط هو حال الصراعات الجنس-دينية الهوياتية اليوم في تفاعلاتها وتداخلاتها لدى الشخص المثلي، أما يطغى أحدها على الآخر أو يحدث الامتزاج بينهما بإيجاد تأويلات وسطية قابلة للتفاوض.

 

الخاتمة

وسواء ما إذا يوجد اليوم من يمتلك الجرأة بالمطالبة بالحرية الجنسية للأشخاص مقابل قمع حريتهم في العقيدة ام لا، فانه من الواضح بأن ثنائية ال مثلي/غيري التي تناولتها في كلامي تحوي إشكالية كبيرة وكأن طرح القطبية قد سيطر على المشهد ليجبر الناس على الاختيار بين الأبيض والأسود في تعريف أنفسهم و تعريفنا لهم وتجاهل العدد غير المتناهي من درجات الرمادي التي لا يمكن التعامي عنها مطلقا من حولنا والتي يمكنها أن تخلق مساحة للهويات تتداخل فيها وتمتزج بشكل متناغم لا يستوجب كل هذا الصراع.