English version here

 

بقلم توم ولفينج
الصورة الأساسية: جان جورج، بيروت 2015، من سلسلة صور “مكتوب”، تصوير سكارليت كوتن.
ترجمة مايا أنور

 

 

كانت ولادتي في ثمانينيات القرن الماضي، ونشأتي في تسعينياته في المملكة العربية السعوديه، تجربة مثيرة بالنسبة لي، فقد شهدت ذروة ثقافة الثمانينيات، حيث كانت صيحات الموضة والتكنولوجيا تستغرق وقتاً قبل أن تصل إلى السعودية، كما لو كانت تأتي بواسطة آلة زمن ثقافية، لقد رأيت أجهزة ألعاب الفيديو الكلاسيكية، والرسوم المتحركة التي أنتجها (هانا – باربيرا) و (تيكس آيفري)، والمجلات المصورة المستعملة نادرة الوجود، ولكن الأهم من كل ذلك كان أن تلك التجربة سمحت لي بأن أشهد تطور العاب الفيديو. أود أن أقول… أحب ألعاب الفيديو… أحب أن أقرأ عنها… أحب أن ألعبها… وفوق كل ذلك، أحب أن أصنعها كلما سنحت لي الفرصة لذلك، فأنا أؤمن بأن ألعاب الفيديو إذا تمت صناعتها بشكل جيد، فإنها تمتلك القوة لتروي قصة آسرة.

يمكن القول بأن عشقي لألعاب الفيديو بدأ عندما اشترى أبي جهاز أتاري 2600، كانت تبدو ضخمة كالوحش عند وضعها أمام جهاز التلفاز، وكانت عملية إعدادها مرهقةً للغاية، ولكنها كانت تستحق كل ذلك العناء.
كانت الألعاب التي لعبتها في البداية بدائية، مجرد أشكال أساسية وقوانين بسيطة خالية من التعقيد، ولكنها كانت ممتعة بالنسبة لنا، فقد سمحت لنا بتخيل قصص خاصة بنا لأنها لم تكن تروي قصصها بطريقتها الخاصة.

كان جهازي الثاني هو (فاميكوم) أو الحاسوب العائلي من نينتيندو، كان يحتوي على قصص بسيطة دون أي شيء مبهر، كانت الرسومات أفضل، وكانت أفضل ذكريات طفولتي مرتبطة به، اعتدنا أنا وأختي أن نلعب لعبة (Battle City) باستمرار، كما أننا نلعبها حتى الآن عندما تحتاج إلى إستراحة من أطفالها، كان هناك بعض الألعاب الكلاسيكية التي لعبتها مثل (Mario)، (Galaxian) و (Spartan X)، ولكن كان هناك تواصل على مستوى عاطفي بيني وبين لعبة (Battle City)، كانت تجربة ارتباط وثيق مع أولئك الذين كانوا مهمين بالنسبة لي، نحن الإثنان فقط ضد هجوم دبابات العدو لحماية نسرنا، هنا وفي تلك اللحظة، يمكنك استشعار الرمزية، ولكن ثق بي عندما أقول أن لعبة (Battle City) هي تجربة ارتباط وثيق، بعض الأشخاص الذي واعدتهم لعبوا معي هذه اللعبة، مما أعطاني انطباعاً عن سلوكهم في حياتهم اليومية بشكل متجرد من التهذيب الذي يظهرونه.

جهازي الثالث كان جهاز سيجا (Sega Mega Drive)؛ كانت تلك بداية كل شيء بالنسبة لي، حيث اعتمدت في مراهقتي عليه، كان لدى سيجا كل ما يحتاجه أي مراهق وهو يكبر، الدماء، القليل من العري، والعديد من الشخصيات القوية، كان فيها المحتوى الناضج ولكن يفتقد للنضوج في ذات الوقت، كانت مذهلة.

الفأس الذهبي

أول لعبة لعبتها على هذا الجهاز هي الجزء الثاني من لعبة القنفذ سونيك (Sonic the Hedgehog 2)، وبما أن ألعابي المفضة كانت الألعاب الجماعية، لذلك، أي لعبة كنت امتلكها كان فيها جانب من اللعب الجماعي، كانت البداية مع لعبة الفأس الذهبي (Golden Axe)، ولكي أكون صريحاً، كانت الصورة على غلاف اللعبة تظهر الكثير من البشرة العارية، كانت تبقيني مذهولاً دون أي سبب واضح، ولكن ذلك كان مفهوماً لأنني لم أكن قد وصلت سن البلوغ بعد، كانت فقط تداعب أفكاري عن الجنس دون أن تقوم بتعريفها، كانت اللعبة من نوع القتال بواسطة السيوف والسحر، التنانين والوحوش” كانت شبيهة بأفلام كونان البربري (Conan the Barbarian) ولكن مع سيناريوهات معارك رائعة.

قادني ذلك للعثور على لعبة تسمى شوارع الغضب (Streets of Rage)، كنا نلقبها بشوارع الرعب، كانت لعبة قتال تدور حول قائد عصابة يستولي على المدينة، كانت الأولى هي المفضلة لدي، أما الثانية فقد كانت جيدة، أما الثالثة فكانت… أقل ما يقال أنها كانت محيرة كونها كانت أول مرة أقابل فيها شخصية مثلية.

حدث الأمر كما يلي، كنت في محل للألعاب، مثل محلات ألعاب الأركيد، ولكن تقوم باستئجار جهاز مقابل خمسة ريالات في الساعة، ويمكنك اختيار أي من الألعاب المتوفرة، كنا نستمتع بالقيام بذلك لعدة أسباب، قمت بسؤال الموظف إذا ما كانت النسخة الجديدة من لعبة شوارع الغضب متوفرة، فأعطاني ما سألت، ولكن تفاجأت بأن عنوان اللعبة على الغلاف كان (Bare knuckles III)، فسألته عما إذا كانت اللعبة هي ذاتها اللي طلبتها، فأكد لي ذلك.
وبالفعل، كان محقاً، لعبت بها إلى أن وصلت لشخصية أحد القادة… آش، كان هذا الشخص عدوانياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، كل ما يتعلق به تم تصميمه ليكون عدوانياً، سلوكه شديد الأنوثة (الجري، القفز، طريقة الإستهزاء، الوضعيات الجسدية التي يتخذها)، يرتدي ليوتارد أسود (الليوتارد هو قطعة ملابس كالتي ترتديها لاعبات الجمباز) مع صديري بنفسجي وقبعة شرطة جلدية بنفس اللون، جوارب عالية جلدية خضراء اللون وحذاء أسود طويل الرقبة ذو كعب عالي، كل ذلك بالإضافة إلى سكسوكة تزين ذقنه.

لعبة (Bare Knuckle 3)… آش على اليمين

كرهت هذا الشخص، ليس بسبب مظهره أو الطريقة التي يتحرك بها (كانت ممتعة على أقل تعبير)، ولكن كرهته لأنه كان وضيعاً، ضرباته وضيعة بشكل لا يمكن تفاديه، تهربه المستمر من الضربات الموجهة إليه، وكانت طريقة استهزائه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، فتركت اللعبة وقمت باستبدالها بلعبة أخرى.

بويزن (Poison) من لعبة القتال الأخير (رسم مبدئي)

قمت بإخبار أخي الأكبر عنها، وقررنا الحصول على اللعبة كنوع من التحدي، لعبنا بها معاً، ولكن الغريب أننا لم نجد تلك الشخصية، ظن أخي أنني قمت بتلفيق الأمر، أو أنه قائد سري قمت باكتشافه، كان الأمر لغزاً بالنسبة لي إلى عرفت السبب في السنوات الأخيرة.

بناءً على ما أعرف، فإن السعودية تستورد الألعاب من أمريكا وأوروبا، ولكن في بعض الحالات كانوا يستوردونها من اليابان أو دولة آسيوية أخرى، اكتشفت أن هذه النسخة من اللعبة هي نسخة يابانية لأن العنوان الأصلي للعبة شوارع الغضب في اليابان هو “Bare Knuckles”، وكانت شخصية القائد آش محذوفة من النسخة الأمريكية.

وبشكل مثير للإهتمام، بعض الشخصيات استمرت لمدة أطول، وبمبررات غريبة حقاً، فعلى سبيل المثال، كانت شخصية بويزن (Poison) من لعبة القتال الأخير (Final Fight) قد صممت في الأصل على أنها أنثى، ولكن جاء القرار بتغييرها إلى إمرأة ترانس (عابرة جنسياً) كطريقة لتبرير بقائها في اللعبة، (لأن ضرب الفتيات يعتبر أمراً فظاً)، يمكنني تخيل الشركة المنتجة تقول للناس: “كلا إنها ليست فتاة حقيقية، إنها رجل… كان قد خضع لعملية جراحية، لذا لا بأس بضربه”

بويزن (Poison) من لعبة القتال الأخير (رسم مبدئي)
قد تعتقدون أنها الشخصية الترانس الوحيدة في الألعاب، ولكنكم ستكونون على خطأ.

بيردو من سلسلة ألعاب سوبر ماريو

قد تكون بيردو (Birdo) هي أقدم شخصية ترانس في تاريخ الألعاب، وفقاً للنسخة الأصلية من دليل الجزء الثاني من لعبة سوبر ماريو (Super Mario Bro 2)، تم وصف بيردو كالتالي: “يعتقد أنه فتاة ويقوم ببصق البيض من فمه، يفضل أن يكون اسمه بيرديتا (Birdetta)”. هذه شخصية وجدت بالفعل في نينتيندو، وتم إظهارها على أنها فتاة ترانس، ولكن مؤخراً، قاموا بالتأكيد على أنها أنثى، ربما خضعت لعملية جراحية… هههههه. شخصية أخرى هي فيفيان (Vivian) من لعبة (Paper Mario: The Thousand Year Door)، ولكن تم إزالة كل ما يدل على جنسها من النسخة الإنجليزية.

آخر جهاز امتلكته كان الإصدار الأول من جهاز بلايستيشين (Playstation 1)، لكنني لم أقابل أي شيء كويري من ذلك القبيل، ولكن، كانت هنالك بعض اللحظات في ألعاب تقمص الأدوار (RPG) التي لعبتها، في لعبة (Final Fantasy 7) كان هناك مهمة جانبية تتطلب منك الذهاب إلى نادي رياضي يدعى “قاعة الرجال”، ثم الفوز في مسابقة قرفصاء لتحصل على شعر مستعار لتتمكن من التنكر في زي امرأة والتسلل إلى قصر الجنس، نعم، لا يوجد ما هو غريب في ذلك، أو ربما حقيقة أنك ستشارك في حمام جماعي مع مجموعة من الرجال شديدي الفحولة، وربما يقترح البعض ممارسة الجنس خلف كواليس اللعبة، مما يؤدي إلى أن تحضر لهم ملابس داخلية.

كلاود في هني بي إن (Final Fantasy 7)

ولكن، كان هناك أمر واحد لفت انتباهي بالفعل، حبي الأول على الإطلاق… سابين، وسوف أخبركم لماذا. لم تكن لعبة (Final Fantasy 7) تعجبني، ولكن (Final Fantasy 6) كانت أول لعبة تقمص أدوار ألعبها حتى النهاية، كان لكل شخصية في اللعبة عاداتها الخاصة، سواءً قمت باستكشافها أو لم تقم بذلك، حيث كان سابين (Sabin) وإدجار (Edgar) توأمين، وهما الوريثين الشرعيين لعروش فيجارو، توفي والدهما ليتوليا المسؤولية من بعده.

لم يرغب سابين بالبقاء، فهرب للبحث عن الحرية ولأسباب أخرى، يختفي لبعض الوقت ليتبين لاحقاً أنه كان يتدرب لتحسين مهاراته في فنون القتال، كان سبب حبي له هو أنه عندما تقابله للمرة الأولى يقوم بالتعريف عن نفسه بالدب… أعرف أنه ليس بالشيء المثير، ولكن إذا ما قمت بالتحقق من رسمه المبدئي ستفهم الأمر.

الرسم المبدئي لسابين ريني فيجارو من لعبة (Final Fantasy 6)

رجل ضخم قوي البنية عار الصدر، شعر أشقر شائك، ولحية رجولية خلابة.
كان ذلك في عام 2003، كنت لا أزال أعاني من بعض المشاكل فيما يتعلق بمعرفة ذاتي، ولكن، نوعاً ما، ساعدني سابين في ذلك الأمر، كان قوياً، شجاعاً لا يعرف الخوف، كما كان عنيداً وطفولياً في بعض الأحيان، مستعد لمساعدة الآخرين حتى لو تسبب ذلك بالأذى لنفسه، كان أكثر من مجرد حب بسيط، أضف إلى ذلك أنه كان بإمكانه أن يرفع قطاراً ثم يقلبه ويطرحه أرضاَ.

سابين يؤدي عمليه رفع القطار وقلبه (Final Fantasy 6)

لأكون صادقاً، حتى تلك المرحلة، كانت الألعاب تتجاهل فكرة الجنسانية وسرد القصص، لم تكن أكثر من ملاحظة على الهامش في بيانات الشخصية.

في بعض الحالات، كان يتم التعريف أحياناً عن بعض شخصيات المقاتلات الإناث على أنهن مزدوجات الميول الجنسية بهدف إرضاء وجذب المتابعين من هواة ألعاب الفيديو، مثل العفريته مورجان (Morgan the succubus)، بينما في حالة أخرى يكون فيها إشارة لأشخاص حقيقيين، مثل شخصية إيجل (Eagle) الذي يظهر في النسخة الأصلية من لعبة (Street Fighter) وأيضاً في لعبة (Capcom vs. SNK 2)، حيث تم التأكيد على أنه مثلي الجنس كنوع من الثناء على فريدي ميركوري (Freddie Mercury) مغني فرقة كوين (Queen).

إيجل من سلسلة ستريت فايتر (رسم مبدئي)

في معظم الحالات يتم التلميح إلى أن الشخصيات مثلية الجنس أو مزدوجة الميول أو ترانس (LGBT)، ولكن في بعض المناسبات يكونون أكثر صراحة، فعلى سبيل المثال، عُرِّفت شخصية راسبوتين (Rasputin) في سلسلة أبطال العالم (World Heroes) على أنه مثلي الجنس. كانت إحدى الوضعيات التي يتخذها عند الفوز على خصمه محاولته منع ردائه من الإرتفاع للأعلى بواسطة الرياح التي تهب من أسفله تماماً مثل الوضعية الشهيرة لمارلين مونرو؛ كما كان يمتلك حركة خاصة في لعبة (World Heroes Perfect called “The Secret Garden”) حيث يسحب الشخصيات نحو الشجيرات، وأفترض أنه كان يحصل على متعته معهم بينما كانت القلوب تطفو مرتفعة نحو السماء.
أعلم تماماً أنكم الآن تشعرون بالإحباط بسبب هذا التصوير الخاطئ والمزعج لشخصيات ال (LGBT) في ألعاب الفيديو، ولكن لدي أخبار جيدة … بدأت الأمور بالتحسن.

تاتسومي كانجي من لعبة (Persona 4)

شخصيتي المفضلة حتى الآن هي كانجي من لعبة (Persona 4)، حيث يعلق مجموعة من الطلاب في واقع خارق للطبيعة مواز للعالم الحقيقي، فيقاتلون تجليات من اللاوعي لديهم تدعى بالظل (The Shadow)، وبالطبع، يعاني كانجي من المشاكل بسبب ميوله الجنسية، فهو طالب ثانوية متمرد في سن المراهقة، لا يهتم بفكرة الناس عنه، ولكن حصل معه أمر لم يتوقعه، شعر بالإنجذاب نحو شاب قابله، في مخيلته، كان يفكر بأنه رجل وبأنه لا يجدر بالرجال أن تكون لديهم هكذا أفكار.

هكذا تماماً كنت أرى نفسي عندما كنت في الجامعة، حائر وغير متأكد من حقيقتي، كرهت نفسي حقاً لأنني أمتلك هذه الأفكار، أنا لست إمرأة ولا فتاة. ولكن بعد ذلك أدركت أمراً ما، كل ما أحتاجه هو صديق يتقبلني بكل عيوبي وعلاتي، كان ذلك أحد الفنون الغريبة التي تحاكي الحياة، ولكن داخل لعبة. هناك أبطال آخرون يمكنكم العثور عليهم. إيلي (Ellie) من لعبة (The Last of Us)، وهي لعبة حصلت على الإشادة بسبب طريقة تقديمها للشخصيات المثلية.

يوجد مجموعة متنوعة من الشخصيات في لعبة (Undertale)، فهناك شخصية فريسك (Frisk) ذات الجندر المحايد والتي يمكن اللعب بها، واعتماداً على اختيارات اللاعب المؤدية إلى حدث رئيسي هو تطور علاقة مثلية نسائية.

ظل كانجي (رسم مبدئي) من لعبة (Persona 4)

لعبة (Night in the woods) تحتوي على زوجين مثليين، وشخصية متعددة الميول الجنسية (Pansexual) لا تنتمي للثنائية الجندرية (Non-Binary)، وكذلك شخصية الصديقة القوطية المغايرة جنسياً.

ناهيك عن الألعاب التي تسمح لك بالدخول في علاقة مثلية، مثلاً، هناك ألعاب مثل (Baldur’s gate) و (Mass Effect) و (Dragon Age) تميزت بشكل خاص لاحتوائها على شخصيات (LGBT) ووجود خيارات العلاقات المثلية. كما أتاحت سلسلة ألعاب (Elder Scrolls) العلاقات المثلية في جزءها الخامس بعنوان (Skyrim). كما تسمح لعبتي (Stardew valley) و (the Sims) بإنشاء علاقة مع أي جندر، حتى أن الزواج بينهم ممكن.

وتسير ألعاب تقمص الأدوار اليابانية على نفس الدرب، فعلى سبيل المثال، تسمح لعبة (Final Fantasy) بالعلاقات المثلية في نسختها المعدلة (Final Fantasy XIV: A Realm Reborn) والتي أصدرت عام 2014. بناءً على كيفية سير الأمور، لدي آمال كبيرة للمستقبل، ألعاب أفضل، للجميع، في كل مكان.