English version here

 

تصوير: عبدالله الدجاني 
عمل فني ل: ريما دوسام
مكياج: يارا شوابكة
تلبيس و تنسيق: فادي زعمط
الإخراج الإبداعي: خالد عبد الهادي

بقلم: أوليفيا كثبيرت
ترجمة: إ.خ.ق
تدقيق لغوي: يزن مخامرة

 

في كل مرة أسأل فيها “سليم حداد” فيما إذا فكر مرة واحدة في حياته بالتراجع عن نشر روايته “غوابا” التي حازت على إعجاب النقاد، وأثرت رصيده الأدبي ككاتب، يتوقف “سليم حداد” ويمعن التفكير: “أنا شخص عادي.” هكذا وصف نفسه. وأما نجاح كتابه فقد أدخله في مرحلة جديدة ومختلفة، لم يتمنى دخولها في حياته أبداً. فأدب المثليين العالمي لا يباع عادةً، وخاصة إذا كان من تلك الفئة التي ينسبها الناشرون إلى ما يسموه بالتصوير الدقيق لإحساس شاب عربي بهويته بين الحدود. باستثناء هذه الرواية، وعلى الرغم من تصنيفها كأدب للمثليين، أو ربما بسبب هذا التصنيف – فهو حقاً لا يعلم إن كان عليه التفكير بالتراجع حينها أم لا.

“أتمنى أحياناً لو أنني سرت في طريق “الكافكا” واحتفظت بكتاباتي داخل الدرج لحين نشرها بعد مماتي، إلا أن هذا بعيد جداً عن مفهومي الإبداعي.” يقول “سليم حداد” بأن كتابة رواية “غوابا” كانت بمثابة التدريب. “لم يكن عندي أية استثناءات حول ما يترتب علي كتابته.”
أما الآن، وقد حصدت أول رواية له نجاحاً باهراً، فقد بدأ يشعر بالضغط. “فإما أن يقول لي الناس أنه يجب علي نشر كتاباً كويرياً آخر، أو أنهم يتساءلون متعجبين فيما إذا كنت حقاً أود كتابة رواية أخرى حول المثليين.”

كانت ما بعد الظهيرة عندما كنا جالسين في مقهى بجانب إحدى المسارح في منطقة “دالستون،” وهي نقطة التقاء محبي موسيقى الجاز في شرق لندن، بينما كان “سليم” يتناول شطيرة. كان يوماً حافلاً، انتقل خلاله من اجتماع عمل لاجتماع عمل آخر بسرعة لافتة لترتيب أمور فريق الفيلم القصير هذا المشروع الجديد الذي تحمس له.

“أعتقد أن السيناريو جيد بالفعل، وذلك لأن هذا العمل بعكس رواية “غوابا،” هو ناتج مجهود جماعي.” وأضاف: “أنا متعطش لهذا التعاون الإبداعي الجماعي، كون كتابة الرواية هو عمل فردي بامتياز.”

قصة الفيلم مستوحاة من تجارب لاجئ سوري كان قد قابله سليم أثناء تواجده في بيروت. تدور أحداث القصة حول الاغتراب والضعف اللذان يمكنهما أن يتخللا الحميمية الذكورية في بيئة حضرية. ولكن بالنسبة لأحداث الفيلم، فقد تم تبديل أماكن حدوث القصة من بيروت إلى لندن. “هناك تهديد حقيقي، بل خطورة كبيرة عند إظهار نفسك للعلن، ومحاولة تكوين علاقة مع أحدهم في مدينة كبيروت، خصوصاً إذا كنت لاجئاً أو مهاجراً.”

سليم حداد – تصوير عبدالله الدجاني

لقد اكتسب “سليم حداد” هذه الخبرة والمعرفة بشكل من عيشه 11 عاماً في لندن قبل أن ينتقل إلى لشبونة مبرراً ذلك بقوله: “لقد سئمت من الانخراط في نوع معين من الخطاب، ذلك الذي يرافقك إذا كنت من أقلية ثنائية أو ثلاثية ويحتم عليك أن تضع نفسك بموضع مقابل لما يسمى بالثقافة السائدة. أنا لا أرغب بممارسة الكتابة من خلال موقفي من تلك الثقافة، بل أرغب بالكتابة من خلال ثقافتي الخاصة.”

في البداية، قرر آدم أن ينتقل مع شريكه إلى بيروت، حيث اعتاد “حداد” زيارتها في طفولته خلال العطلات. ولكن بسبب مرض كلبه، اختارا الانتقال إلى مكان أقرب. لم يكن مكان الانتقال بالأمر الهام بالنسبة لسليم، المولود في مدينة الكويت لأم عراقية ألمانية وأب فلسطيني لبناني، عمل بين الأردن وكندا واليمن وسوريا والعراق وليبيا ولبنان ومصر، ما يخلق الإحساس بالوطن هم الناس وليس المكان.

“لقد كان انتقالي للعيش في لشبونة بمثابة الرجوع إلى داخل شرنقتي، والابتعاد عن طريق الشهرة. فأنا كنت بحاجة لهذه النقلة للتركيز على كتابي القادم. ومع كل تلك الجلبة التي رافقت رواية “غوابا،” كنت أعاني من عدم القيام بهذا هنا.”
هذه ستكون المقابلة الوحيدة التي سيجريها هذه الفترة على حد قوله، وذلك فقط لأنها لصالح مجلة “ماي كالي.”

لقد ساعدتني مغادرة لندن ليس في أقل من أن أتغاضى عن التوقعات الناتجة عن حالته المفاجئة كمؤلف لرواية “غوابا”، تلك الرواية التي خلقت موجات من الاعتراف في مجتمعات الكويريين العرب من خلال تصويرها الصريح لرحلة خاضها رجل مثلي للبحث عن القبول في الشرق الأوسط.

“لقد لامس هذا الكتاب حياة الكثيرين وبطرق عدة، وهو لأمر يثلج الصدر استقبال كل تلك الرسائل، ولكن يأتي بعضهم إلي يطالبون بالمساعدة، أو بالتحدث معهم، وأنا لا أستطيع ذلك كوني لست مؤهلاً لذلك. حتى أنني في بضع مرات استقبلت رسائل الكترونية من أشخاص يهددون بالانتحار إن لم أستجب لهم.”
حقاً، إن تقبل حقيقة أن الكتاب يمتلك حياة خاصة به هو جزء من منحنى التعلم. فلطالما وجد أن القراء يضيفون غنى من خلال إيجاد ترابطات وسياقات جديدة، لكنه من الصعب أيضاً تقبل تلك الفكرة المباغتة بأن الكتاب قد نشر وأصبح في أيدي القراء ولم يعد للكاتب السيطرة عليه.

لقد كانت أول مرة يدرك فيها “حداد” هذا الأمر في سرت، وهي مدينة محافظة بعاداتها وتقاليدها، تقع في الجنوب الليبي. “لم ينفك أحد الرجال هناك عن النظر إليّ بشكل غريب، وبعدها قال لي بأنه كان قد شاهد مقابلة تلفزيونية حول “غوابا” بثتها قناة BBC باللغة العربية. حتى تلك اللحظة لطالما افترضت أن تلك مجرد عوالم مختلفة.” لذلك فقد كانت تلك الحادثة بمثابة نقطة تحول بالنسبة لحداد، حيث يقول: “فكرت حينها، هل سأتمكن من مواصلة تقديم تلك الأعمال/ المعونات التي كنت أقدمها في السابق؟”

سليم حداد – تصوير عبدالله الدجاني

على الرغم من كل ذلك إلا أنه لم يخطر في بالي موضوع النشر تحت اسم مستعار. ” شعرت أنه من الضروري أن يكون لي حضور مادي جسدي حول الكتاب، وذلك كوني أؤلف وأكتب حول مفهوم الخزي/ العار في الشرق الأوسط. لذلك كان من الضروري أن أكون جديراً بملكية هذا الكتاب وأن أقول نعم أنا الذي كتبته، وأنني لا أخشى الحديث حوله.”
فلذلك كان أمر الظهور بالنسبة لحداد هو موقف أخلاقي وبادرة مهمة لإبداء التضامن. “فكلما ظهر عدد أكبر منا للعلن، تحسنت فرصنا بإيجاد بعضنا البعض وخلق عاصمة للثقافة، لذلك فإن الظهور هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لي.”

ولد “حداد” لعائلة من الطبقة المتوسطة تتصف – كما يصفها – بالعقلية شديدة العروبة والفلسطينية، والتي تتمحور حول المهنة والمال والعائلة. الأمر الذي وضع عليه ضغطاً دائماً للتأقلم. لذلك فقد كانت الكتابة له بمثابة إيجاد مخرج للحرية يمكن مقارنته بمفهوم “الخروج من الخزانة.” “فهناك الكثير من الشرق أوسطيين ممن لا يرغبون بالخروج من خزائنهم شعوراً منهم بأن هذا المفهوم عبارة عن مركب غربي يمكنهم العيش بدونه، وهو أمر أستطيع تفهمه.” ولكن بالنسبة لحداد، ذلك الشخص الذي وجد الشجاعة الكافية ليمتلك هويته المثلية من خلال رؤية كويريين عرباً آخرين، كان أمراً محتماً له أن يكون مرئياً.

 

هناك سخرية عميقة استقرت بداخلي بعد الثورة ولا أريدها أن تبقى هناك.”

 

“يقول الناس بأن ما قمت به هو عمل شجاع، وأنا أعتقد بأنه فعلاً كذلك. فقد ساعدني في مواجهة الكثير من الشياطين التي كنت أخفيها في ماضيّ.”لا زال هناك أثر واضح للقلق الذي تجذر في شخصيته منذ المراهقاة.
“لا زلت أتذكر بأنني ولوقت طويل كنت أعتقد بأنني سأخلد في الجحيم، وهي فكرة مرعبة بالنسبة لطفل. وحتى بعد أن تخليت عن تلك الفكرة، كنت أعتقد بأن المجتمع الذي أنتمي له سيلتهمني حياً إذا ما عرفوا بسري.”
عند صدور رواية “غوابا” في تشرين الأول من عام 2010، بدأت المخاوف المتبقية حول العار، الأنا، والرفض بالظهور. فأن تمضي أول عشرون عاماً من حياتك معتقداً أن العالم سيمزقك إرباً إذا عرفوا ما تخفيه. كان رد فعل الجمهور السلبي هو أول ما انتظرته عند صدور الكتاب. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، فقد أبهرت “غوابا” القراء وحازت على إعجاب النقاد بل وأشادوا بها. فقد وصفتها صحيفة “النيويوركر” بالرواية الحيوية والأولى من نوعها. كما وحصل المؤلف على جائزة “بولاري” الأولى للكتاب لعام 2017 في مهرجان لندن الأدبي. مع أنه لم يتوقع استقبالاً وحفاوةً كالذي حصل للرواية، إلا أن سليم حداد مسرور جداً به.

حالياً، “سليم” مشغول بترتيب ستوديو إبداعي خاص به في لشبونة، وهو ما تبين لاحقاً أنه كان مملوكاً من قبل عضو سابق في فرقة “مشروع ليلى” اللبنانية. الأمر الذي أضحكه وعبر عنه قائلاً: “لا أستطيع الهرب من الشرق الأوسط أينما ذهبت.” ولكن يبدو أنه استطاع أخيراً التركيز ليبدأ الكتابة في كتابه التالي بعيداً عن زوبعة الإعلام والضجيج الموجودة في لندن.

يتحدث “سليم حداد” في كتابه الجديد عن الدور الذي لعبه الفن في العراق في القرن الواحد والعشرين، حيث استوحى تفاصيل وأحداث روايته الجديدة من قصة عائلته. “لقد أخذ الأمر وقتاً كافياً لأعيد اكتشاف ذلك الجانب اللعوب في إبداعي، وأنا الآن أحرص عليه وأحميه بشدة، وبمجرد انتهاء هذه المتعة، يجد الفنان نفسه في ورطة حقيقية.”

لقد أعطته الحياة في لشبونة الفرصة لعزل نفسه ويكتشف منظوره الخاص خارج إطار تلك الروايات التي تحتم عليه كمثليّ عربي مقيم في بلاد الاغتراب، وأن يعطي رأيه حولها. يقول: “لقد اكتفيت من الحديث في ذلك المجال. فالحديث الدائم حول الشرق الأوسط لوسائل الإعلام الغربية قد يدمر المرء ويحرقه.”

لطالما كان “حداد” غير مرتاح مع تلك المسميات، وبخاصة تلك التي تأتي ضمن سياق المثلية الجنسية.
“هناك الكثير من مضامين المراقبة والتسييس في المصطلحات المستخدمة. يجب على كل إنسان استخدام المسمى الذي يريحه سواء كان ذلك مثلي أو غير عادي/ معياري، أو أي كان. فقط كن مسيطراً على المسمى الخاص بك.”
فهو يشكك بكيفية الاحتيال على قضايا المثليين وخطفها من قبل الروايات السياسية “ليس من أجل الدوافع والأسباب الصحيحة فحسب، وإنما لكونها عصرية بشكل مؤقت.”

سليم حداد – تصوير عبدالله الدجاني

أما الآن، فقد اكتفى “حداد” من الرجوع إلى الماضي وأن والمطالبة بكشف تلك النظرة الداخلية للقضايا السياسية التي يعلقها الناس عليه. “أجدني أشيح بنظري عندما يبدأ الناس بالحديث حول السياسة، سواء كانت سياسة الهوية أو السياسة المتعلقة بسوريا. فهناك تلك السخرية العميقة التي استقرت بداخلي بعد الثورة، وأنا لا أريدها أن تكون هناك.”

فلم يكن التعامل مع نتائج الثورة بالأمر الهيّن. “أنا أملك رفاهية الحزن وآخذ خطوة للوراء. ولكن هناك شعور عميق بالإحساس بالذنب بأنك تدير ظهرك لذلك الصراع المروّع.” بالنظر إلى الوراء، يتذكر “حداد” ذلك الغضب والحنق اللذان كان يشعر بهما عند رجوعه من مهمات تقديم المساعدة، وكيف أن حبيبه آدم كان يخفف عنه بقوله: “توقف، خذ لحظة لنفسك، واستمتع بشيء بسيط حتى لو كان قطعة حلوى.”

لقد كان ذلك هو ما دفعه لكتابة “غوابا.” كان ذلك الإناء الذي كاد أن يفيض بكل ذلك الغضب والأسئلة التي لم يكن قادراً على إجابتها. فعلى الرغم من الضغط الذي رافق نشر هذه الرواية، والتوقعات الكبيرة التي وضعها الجمهور على عاتقه منذ ذلك الحين، إلا أنه غير نادم أبداً على إجهار صوته ورفع حدة نبرته.
“لقد كتبت رواية “غوابا” بشعور من الإلحاح لا أشعر به أثناء كتابة الرواية الجديدة. ذلك لأن ما شعرت به حينها أنه يتوجب علي إصدارها في الوقت الذي صدرت به.”

 

بإمكانك قرأة مقابلة سليم حداد حول رواية غوابا الأولى هنا 

 

(English ? ) . العدد رقم ٦٣ لشهر مارس / أبريل 2018 و الذي يتصدر غلافه الروائي و الناشط الانساني سليم حداد. العدد يتمحور حول فكرة ‘التمثيل – Representation’ و الذي من خلاله ننقاش عدد من طبقات و ابعاد هذا المفهوم. اقرأ عن هيكل العدد الآن، الرابط في ☝ البايو . تصوير: عبدالله الدجاني مكياج: يارا الشوابكة تلبيس: فادي زعمط اخراج: خالد عبد الهادي تصميم الغلاف: عاطف د. . Issue number 63 – March/April 2018 which have humanitarian turned novelist Saleem Haddad @salhad The issue’s theme revolves around the topic ‘Representation’, and through it we debate the various layers and demotions of that perceptions. Read about this issue, link in ☝bio (english version linked in the arabic page, linked above). . Photographed @a.s.dajani makeup by @yarashawabkeh Styling @fadifzumot Art direction: Khalid Abdel-Hadi Cover design: Atef D.

A post shared by My.Kali Magazine مجلة ماي كالي (@mykali) on

(English ? ) . Issue number 63 – March/April 2018 which have humanitarian turned novelist Saleem Haddad @salhad . The issue’s theme revolves around the topic ‘Representation’, and through it we debate the various layers and demotions of that perceptions. Blanket coat worn by @fadifzumot designs. Read about this issue, link in ☝bio (english version linked in the arabic page, linked above). . Photographed by @a.s.dajani makeup by @yarashawabkeh Styling Fadi Zumot Art direction: Khalid Abdel-Hadi Cover design by Atef D. . العدد رقم ٦٣ لشهر مارس / أبريل 2018 و الذي يتدر غلافه الروائي و الناشط الانسان سليم حداد. العدد يتمحور حول فكرة ‘التمثيل – Representation’ و الذي من خلاله ننقاش عدد من طبقات و ابعاد هذا المفهوم. إقرأ عن هيكل العدد الآن، الرابط في البايو. . تصوير: عبدالله الدجاني مكياج: يارا الشوابكة تلبيس: فادي زعمط اخراج: خالد عبد الهادي تصميم الغلاف: عاطف د.

A post shared by My.Kali Magazine مجلة ماي كالي (@mykali) on