Article in English

 

بقلم عاصم سيف
الصورة: رويترز (الرجال المصريون المتهمين بالمثلية الجنسية محتجزين)

 

 

يصادف انني واحد من الاشخاص  الذين كانوا في الحادثة المشهورة “حادثة مرقص الكوين بوت” والذي تمت مداهمته من قبل بوليس الاداب في صباح الحادى عشر من مايو عام 2001.

في ذلك اليوم اتصلت بصديق لي لأري ما اذا كان يحب الخروج وتقضية بعض الوقت برفقتى في الكوين بوت. وهو مركب بداخله ناد ليلى يستقر على صفحة النيل فى منطقة الزمالك فى مواجهة فندق ماريوت. ولكن صديقي الذى كان يشعر ببعض التوعك في ذلك اليوم اقترح علي بأن اصطحب صديقنا فادى بدلا منه. وقد كان فادي مترددا في الذهاب معي ولكنني اصررت فوافق في النهاية على أن يأتي. واتفقنا علي ان نتقابل هناك خارج المركب. وانتهيت من تهيئة نفسي للذهاب واستوقفت تاكسي ليقلنى, وحينما وصلت وجدت فادي في انتظاري. كان الوقت قبل منتصف الليل بقليل, فاقتربت منه والقيت عليه التحيه المعتادة ثم مشينا عبر الممر المجاور لرصيف المركب الراسية.

المركب كانت تتكون من ثلاثة طوابق, وكان الديسكو في الطابق الارضي. نزلنا على السلالم ودفعنا عند المدخل ثم دخلنا, كان صوت الموسيقي حماسيا وكان هناك بعض الناس يرقصون والبعض الاخر كان يجلس عند البار. اتخذنا اماكننا على الطاولة. استغربت قليلا لفراغ المكان علي غير المعتاد وقلة الحاضرين, لكنى لم اهتم كثيرا بهذا الامر وطلبت من الساقي بأن يحضر لنا مشروبين باردين.

بدأ فادي بالتدخين, وتحادثنا…. وبعض وقت قليل, بدأ عدد الحاضرين يتزايد ولكنه لم يكن كالمعتاد, كان هناك رجلان يرقصان بحميمية علي حلبة الرقص وكان هناك تجمع لبعض الشباب في البار. وبنظرة متفحصة تأملت المكان وفكرت بأنه لا يمكن لاحد أن تخدعه عيناه بأنه تجمع للمثليين.

انحنيت على صديقي وأخبرته “تفتكر الناس اللي شغالة هنا مش عارفه اننا مثليين, اعتقد انه باين اوي علي المكان والناس اللي فيه”.

أراد صديقي ان يذهب الي دورة المياة, تاركا معي السجائر الخاصة به والموبايل. ظللت في مكاني اكمل مشروبى واتفحص الموجودين. فلاحظت شخصين, الاول كان صديق لصديقي, والاخر كان المدير الايطالي للمدرسة التي كنت اعمل بها.لا أستطيع التأكد ما اذا كانوا رأوني ام لا.

بعد بضع من الوقت بدأ الناس بالتوجه الي حلبه الرقص, ثم فجأة بدأ صوت الموسيقي في الانخفاض, وتعالت الاضواء في المكان.

كان الموقف غريبا جدا, فلازال الوقت مبكرا علي انتهاء السهرة !!.

استوقفت نادل وسألته ما الذي يحدث؟ فجاوبني بطريقة روتينية “ولا حاجة البوليس جه وبيعتقل شوية ناس, واحنا متعودين علي كدة”.

أحسست بأنني اذوب فى جلدى, ونظرت بريبة في المكان, كان هناك بعض الاشخاص في البار والنادلون يتحركون جيئة وذهابا, ولم الاحظ او اري اي شرطي في اللباس الموحد, بدات الافكار تهاجم خلايا عقلي, ما الذي سوف أفعله؟ هل اعتقلوا فادي؟

اتصلت بأمي , كانت تمكث عند امها في هذا اليوم, كنت فقط اريد أن اسمع صوتها, ولم اقل لها ما الذي يحدث هنا, قلت لها اني احبها وتمنيت لها ليلة سعيدة.

كان قلبي ينبض بسرعة, وبدأت يدي في التعرق نظرت الي الطاولة التي أجلس عليها, لازالت سجائر وموبايل فادي مستقرة.

اقترب النادل مني وسألني عن الاشياء التي علي الطاولة هل هي تخصني؟ فقلت “لا, دى حاجات صاحبي وحاخدها معايا.  فقال “في الحالة دة احنا محتاجين نعرف اسمك ورقم موبايلك, علشان في الغالب لما بيتم القبض عليهم بيرجعولنا تاني ويسألوا عن حاجاتهم”.

اتجه النادل الي البار, وبدأت انا فى التقاط اشياء فادي وذهبت خلف النادل, كنت أفكر وقتها, لا أستطيع أن اعطيهم اسمي او رقمي الحقيقي, ولكن ما الذي سأفعله اذا أرادوا رؤية البطاقة الشخصية, يا الهي, ربما أستطيع أن اقول لهم بأنني نسيت البطاقة الشخصية؟!.

أخبرت النادل بأسمي -عاصم سيف- ولم اعطه اسمي الاخير الحقيقي, وغيرت بعض الارقام حينما سألني عن رقمي الخاص. كتب النادل المعلومات ولحسن الحظ لم يسألني عن بطاقتي الشخصية.

اتذكر حينما واتتني الشجاعة بأن أحاول أن اغادر المكان, وأنني أستطيع أن أفعلها, لانه لا يوجد شئ اخر أستطيع فعله غير المحاولة, هل ستأتي مجددا الشرطة للقبض علي الباقيين؟ هل لازالو هنا أم غادروا!.

أعضاء جسدي كانت ترتعش وكان قلبي ينبض بسرعة.

اتجهت تجاه الباب الذي يفضي الي السلم لكي أخرج, وحينما وصلت الي الباب, كان هناك رجلان واقفان, وكان هناك رجل اخر يحاول أيضا الخروج.

احد الرجال الواقفين سألني “انت بتشتغل اية”, ” انا مدرس”.  هكذا اجبته فقال لي “مدرس اية؟”. قلت اني مدرس لغة انجليزية.

لم يكن الرجل ناظرا الي حينما كنا نتحدث, فقد كان ينظر خلفي متربصا بالمكان.

ثم صاح الرجل الاخر الذي كان يقف بجانب الباب “انا شفتك قبل كدة وكنت بترقص زي الستات”.

وصفع الرجل الذي كان يقف بجانبي محاولا الهرب. لم اكن أستطيع أن أتخيل بأن ذلك يحدث فعلا ,كنت مصدوما وتسمرت في مكاني, وتركني الرجل  لأمر من البوابة وصعدت السلم كي استطيع الخروج.

كان يوجد رجلان اخران من الملهى , ورجال اخرون يبدو من اشكالهم أنهم عناصر شرطة, فلملمت زمام أموري, وقلت لنفسي سوف احاول الخروج من هنا, ثم بادرت بسؤال احد الأشخاص “هو احنا نقدر نمشي من هنا؟” فقال “هو الباشا مش قايلك استني؟”. فقلت له “الباشا ماقلليش اي حاجة”.

ثم بدأت بمغادرة المكان حتي وصلت الي الشارع. حقيقة لا اعرف كيف واتتني الشجاعة لأرد علي الضابط بهذا الشكل.

واصلت طريقي ولم انظر خلفي.

كنت أخبر نفسي ” أمش بثقة وببطء, ماينفعش يبان عليك التوتر بأي شكل, ويمكن ماياخدوش بالهم ومتتاخدش معاهم”.

تدبرت طريقي من خارج المركب الي الشارع ونظرت متفحصا الشارع فوجدت عربة الشرطة متوقفة وبعض من افراد الشرطه في الزي الرسمي.

لم اهتم بهم وتابعت طريقي بجانب الرصيف, ولم أنظر خلفي. عبرت تحت كوبري 26 يوليو, ثم اتجهت يمينا الي شارع احمد مظهر, اخرجت هاتفي المحمول محاولا الاتصال بصديقي الذي كلمته سابقا, حينما رد علي صرخت

“يا ماهر. الشرطة جات الكوين بوت وقبضوا علي شوية ناس هنا  بيتهيألي انهم قبضوا علي فادى كمان , هو متصلش بيك او حاجة ؟ فقللي لا. فقلت له “هو قالي انه هو كان رايح الحمام , بس مارجعش خالص”.

قال لي “انت بتعمل اية دلوقتي؟”. قلت لة اني متجه الى المنزل. وانهيت المكالمة معه.

نظرت خلفي, لم أجد احدا يتتبعني. اتذكر بأنني كنت اتنفس بصعوبة, كان قلبي لايزال مضطرب الخفقات من الموقف.

حاولت أن اسرع الخطي قليلا وظللت طوال الطريق اقول يا الهي, يا الهي, يا الهي.

ثم بدأت بالجري الي المنزل, اتذكر وصولي الي المبني وصعودي اربع أدوار وفتح باب الشقة ثم دخلت واغلقت الباب خلفي بالمفتاح. مشيت فى الممر, وفتحت باب غرفة أختي – كانت لا تزال مستيقظة – أخبرتها عن ماحدث معي في المركب واخبرتها بألا تخبر أمنا , فلم ارد ان تقلق.

لا اتذكر فعليا رد فعل اختى, اتذكر خروجي من عندها واتجاهى الي غرفة امي (التى بت فيها تلك الليلة), واتصلت بماهر صديقي الذى اعلمنى بانه متجه لنقطة القصر العيني بحثا عن صديقنا فادي. اخبرته بانه مازال معى اغراضه, السجائر والمحمول. اغلقت المكالمة.

كنت اغير ملابسي وانا لا زلت في حالة صدمة رهيبة من ضخامة الموقف الذي حدث لي, وكأن عقلي قد انفصل عن جسدي, فجسدي يفعل شئ واحد وهو تغيير ملابسي وعقلي يعيد استدراج شريط الاحداث واسترجاع ما حدث معي في الكوين بوت. هل ستأتي الشرطة للقبض علي؟ هل سوف يجدونني؟ هل سيعرفون اين اقطن ويعتقلونني؟ هل سيقوموا بتعذيب فادي ليحصلوا منه علي معلومات عني؟.

حينما انتهيت من تغيير ملابسي ذهبت الي السرير تحت البطانيه. كنت نائم في وضعية الجنين. اغلقت عيناي وبدأت الصلاة وتلاوة ايات من القرآن الكريم. وبطريقة ما استطعت النوم.

لحسن حظى, لم يتم القبض علي. لا أستطيع ان اتخيل بأني خرجت سليما في هذه الليلة, فلقد كانت معجزة حقا.

اما بالنسبة للرجال الاخرين الذين لم يساورهم الحظ,  بما فيهم صديقي فادي, اكتشفت لاحقا بانه تم تعذيبهم هناك في قسم الشرطة, واجبروا على التوقيع بالأكراه علي ورقة تعترف بانهم شواذ جنسيا. وانهم عبدة شيطان.

بعض الرجال تم اغتصابهم عنوة بأشياء خارجية, او من قبل بعض افراد الشرطة انفسهم, والبعض الاخر تم صعقهم بالكهرباء .البعض الاخر علق مقلوبا وتم ضربهم علي ارجلهم بالعصي, وبالتأكيد اهينوا بأفظع الالقاب والشتائم, فلقد دعيوا بالخولات وغيره من الالقاب البذيئة, وفي أثناء اغتصابهم, كان رجال الشرطة يقولون لهم “ايه رايك مبسوط وانت بتتناك كدة”.

بعد بضعة ليالي تم نقلهم الي السجن, وتمت محاكمتهم. وكانت جريمتهم هي الفسق والفجور والاتيان بما حرم القرآن والمشاركه في العربدة وعبادة الشيطان.  و و و …

في يوم الاحد اللاحق تم نشر صور وجوههم واسماؤهم وعمرهم ووظيفتهم ومكان عملهم ومسكنهم للتشهير بهم في ما يقارب جميع الصحف المصرية.

تدبرت أمر خروجي من مصر في الثانى من شهر اغسطس عام 2001, واستطعت ان اطلب اللجوء علي حقيقة ما حدث في حادثة الكوين بوت, وعلي تتبع البوليس للاشخاص في هذة الليلة تحت حكم مبارك وأعوانه في ذلك الوقت وبسبب هويتي الجنسية.

أعيش في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة منذ ذلك الحين. فقط منذ سنتين أصبحت مواطنا امريكيا حاصلا علي الجنسية. واستطعت حينها ان اعود الي مصر كمواطن امريكي لزيارتها منذ ما يقارب التسع سنوات. لأعلم ان بعض الاشخاص في هذه الحادثة  تم الافراج عنهم, والبعض الاخر تم الحكم عليه بالسجن ستة اشهر, واخرين سنة او ثلاث. شخص واحد تم الحكم عليه بخمس سنوات. بعض الافراد استطاعوا الهرب الي فرنسا, او الولايات المتحدة, او كندا. والبعض الاخر لم يكن بذاك الحظ.

هل تستطيع التخيل بأن يتم اقصائك من منزلك فقط لانك مثلي الجنسية؟. هذا واقع مرير جدا لأن يحدث لأي انسان. ويجب أن تصان حقوق الافراد ايا كانت توجهاتهم الجنسية. مع العلم بأنني الان مواطن امريكي واشعر بالامان لكوني مثلي الجنسية والقانون يحميني. ولكن اتمني ان أشعر بذلك في يوم من الايام  في بلدي الام مصر.

 

مايو 2012

 

 

 

 

نُشر هذا المقال في الأصل عام 2012 في أول مجلة مصرية للمجتمع الميم، مجلة ‘إحنا’. للأسف بعد ستة عشر يومًا فقط من المجلة ، أغلقت المجلة و لم تنشر أي اعداد أخرى. كانت آخر منشور للمجلة على الفيس بوك في السابع والعشرين من مايو 2012 ، تقول: “لقد أجبرنا على إغلاق مجلتنا الإلكترونية لأسباب أمنية. نعتذر عن الإزعاج ونشكركم على صبركم وتعاونكم”. بالتعاون مع فريق اعداد مجلة ‘إحنا’ قمنا بنشر عدد من تلك المقالات.