بقلم موسى صالح

 

تفرض الإسقاطات الأبوية التي تحدد وتوجه وتقونن ثنائية الأجساد (أي الجندرين) مظاهر وأدوات خاصة بكل من الجندرين يحدد من خلالها الشكل والمظهر والهندام وأدوات التزيين بحيث من الصعب اختراق هذه المحددات خصوصاً في المجتمعات التي تخشى التحرر الجندري، عبر كسر نمطية هذه الأدوات والمظاهر، نظراً لهيمنة الذكورية الأبوية والرأسمالية ويعد أحمر الشفاه من أبرز هذه الأدوات وأكثرها ابهارًا واثارةً، بحيث يستعمل كأداة تزيين نسائية تهدف إلى إبراز جمال وأنوثة المرأة.

من هذا المنطلق يطرح الفنان الكندي المغربي الأصل مهدي بحمد أغنيته الجديدة بعنوان “Rouge a levres” أي بالعربية “أحمر الشفاه”. تدور أحداث الفيديو كليب خلال ليلة واحدة يعرضها الكليب بطريقة معكوسة من النهاية إلى البداية المتمثلة بلقاء بطلي الكليب بقبلة على الشفاه الملونة بأحمر الشفاه.

يحاول مهدي في أغنيته كسر الصورة النمطية المجتمعية الثنائية المتمثلة بالرجولة الخشنة والأنوثة الناعمة، بحيث يطالب في البداية بأن يكون في أخر مساحة خالية من السرير مشيراً بذلك إلى رفضه للأطر الجندرية المتمثلة بالرجولة والأنوثة بحيث يتقاسم كل رجل وامرأة سرير واحد.  ويسترسل في إظهار تحديه للصور النمطية من خلال رفضه التقبيل بدون أحمر الشفاه حيث يسعى إلى تحرير المتلقي من قيود الأطر التقليدية ومن ردات فعل المجتمع في إن ردات الفعل التي غالباً ما تكون شرسة ومؤذية لكل من يتحداها على الصعيد النفسي والجسدي خصوصا في المجتمعات المحافظة التي تتوارث تقاليدها وصور الحياة داخلها وسط رفض شبه تام للانفتاح على الذات والاعتراف بالاختلاف والمختلف خصوصاً عن الثنائية الجندرية التقليدية.

المسرح الأساسي للكليب هو غرفة تسيطر عليها الإضاءة الحمراء الخافتة يتراقص داخلها البطلين وعدد من الراقصين والراقصات على أنغام الاغنية التى تمزج الموسيقى الغربية بتقاسيم الألحان الشرقية، هذه الأجساد المتمايلة غير النمطة\ الخارجة عن الصورة النمطية  في غرفة واحدة دليل على قوة الهوية الجماعية وجمعهم/ن في غرفة واحدة يسيطر عليها اللون الأحمر كقاسم مشترك عابر لكل ما يمكن أن “يفرّق” أو “يقسّم” هذه الأجساد، وهنا يأتي تأكيد مهدي على أن هذه الغرفة هي بلا جندر وأن الحب الذي في داخلنا كافي لإشباع وتلبية حاجاتنا.

“This room is genderless…our love is enough to feed our needs”

ويشدد Mehdi من خلال التكرار على أننا محاربون لتلك الصور النمطية المفروضة علينا “We are fighters” أي بالعربية “نحن محاربين/ات” من خلال تمردنا على الأطر والأنظمة المرسومة لكل من الجندرين، وأشير هنا إلى هذا المصطلح في منطقتنا كشعار رنان يتغنى فيه أصحاب الجنسانية  غير التقليدية من الطبقة الغنية عبر حصولهم على جوائز في دول غربية، لا تراعي أي اهتمام لأوضاعنا أو لظروفنا الاجتماعية المختلفة عنهم، مثلا، أو من خلال حفلات صاخبة بدلاً من العمل الحقيقي – على سبيل المثال لا الحصر- في اتجاه تعديل القوانين التى ما زالت تجرّم أي علاقة خارج الثنائية الجندرية المرسومة. (المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني التى تنص على: “أي مجامعة خلافًا للطبيعة يعاقب عليها بالحبس لمدة تتراوح بين شهر وسنة واحدة، بغرامة تتراوح ما بين 200 ومليون ليرة لبنانية” حيث يفسّر القانون العلاقات الخارجة عن الأطر الجندرية التقليدية بين رجل وامراة ضمن العلاقات المخالفة للطبيعة)

في الختام يتمسك مهدي بأحمر الشفاه الخاص به “Mon rouge a levres” كإصرار منه على عدم اعتباره كأحد المحددات الجندرية، بدليل أنه في نهاية الفيديو كليب يقبّل فتاة وليس شاب كما هو متوقع! في إشارة واضحة لتسخيفه أحمر الشفاه واعتباره كتلوين أو صبغة للشفاه لا أكثر ليس لها دور في تحديد الجندر أو الميول الجنسية.