Article in English


بقلم: ليزي فارتانيان كولير
تصوير: بيتينا فرينزيل
تحرير: مهى محمد
ترجمة: مايا أنور

 

تروي مسرحية رافاييل خوري، “هي هو أنا”، حياة ثلاث شخصيات عربية تتحدى المعايير الجندرية وفهم المجتمع لما يعنيه أن يكون المرء مثلياً/ة أو مزدوج/ة الميول الجنسية أو عابراً/ة. عُرضت المسرحية في ميونيخ، ألمانيا، وذلك بعد مسرحيتها السابقة “أينما ذهبت” التي عُرضت في بيروت في 2014. يندرج كلا العملين في فئة المسرح الوثائقي، ويُسلطان الضوء على تجارب أفراد من مجتمع الميم داخل المجتمعات العربية وتاريخ النشاط في المنطقة. التقت ماي كالي مع رافاييل لمناقشة أهمية تناول الجنسانية وقضايا الهوية الجنسية والجندرية في العالم العربي، والدور الذي يمكن للمسرح أن يساهم فيه لفهم القضية.

 

ما الذي جعلكِ تبدأين في كتابة المسرحيات؟

في البداية، أردت أن أكون ممثلة، لكن ذلك كان مستحيلاً كفتاة من عائلة أردنية نشأت في المملكة العربية السعودية والأردن في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. إنه أمر صعب حتى في يومنا هذا، وفي ذلك الوقت، كان الأمر أقرب إلى المستحيل. كما كنت أتعرض للتنمر في المدرسة لأن هويتي لا تتوافق مع المعايير الجندرية، وبالتالي، بدأت أختبئ في المكتبة وأكتب الشعر هناك.

لاحقاً، عندما أقمت في بيروت، اعتقدت أنني سأصبح مخرجة مسرح وتدربت على ذلك هناك. ولكن عندما حان الوقت لأقوم بالإخراج، لم أجد أي مسرحية تُمثلني أنا وأصدقائي. حضرت مؤتمراً مسرحياً في الإسكندرية حيث تحدث أحد المنظمين هناك عن المسرح الوثائقي. أعجبني الأمر وقررت أن هذا ما أريد القيام به. تحول الشعر إلى مسرحيات. تقول “أنجيلا ديفيز” إنها كتبت “Beloved” لأنها كتبت الرواية التي أرادت قراءتها. هذا هو تماماً ما أشعر به نحو “هي هو أنا”.

 

لماذا تعتقدين أنه من المهم تناول مواضيع حول الجنسانية في العالم العربي؟ وكيف تعتقدين أن المسرح يمكن أن يضيف إلى الحوار الجنساني؟

تتمحور “هي هو أنا” في الغالب حول معنى أن تكون/ي عابراً/ة جنسياً وحول الهوية الغير متوافقة مع المعايير الجندرية، بينما تتحدث “أينما ذهبت” عن تجارب النساء الكويريات في بيروت.

يعمل مجتمعنا باستمرار على محونا أو تشويه صورتنا كأشخاص كويريين/ات وعابرين/ات وغير متوافقة/ات مع المعايير الجندرية. هناك حاجة لتوثيق وإبراز تجارب حياتنا وقصصنا وتاريخنا. يجب أن تتواجد هذه المسرحيات لنفس السبب الذي يجب أن تتواجد لأجله مجلة ماي كالي. قالت لوسيل كليفتون: “كل يوم، حاول شيئٌ ما أن يقتلني، وفشل”. إنه دليل.

يمتلك المسرح قوة كبيرة لتحقيق هذا الهدف لأنه صدامي جداً ومباشر – يوجد شخص أمامك مباشرةً. المسرح قائم على التجسيد، لذلك يتم حظره ويخضع للرقابة، بسبب قوته.

 

لقد قرأت للتو مقتطفات من الترجمة الإنجليزية لـ “هي هو أنا”، وهناك قضايا تناولتها تؤثر على كل من العرب وغير العرب. هل تعتقدين أنه من المهم إظهار أنه لا تزال هناك مشاكل تؤثر على الناس في كل أنحاء العالم بغض النظر عن أعراقهم؟

بالتأكيد. لا أعتقد أن الترانزفوبيا (رهاب العبور الجنسي) أو رهاب المثلية يقتصران علينا. تعرضت صديقتي البيضاء العابرة جنسياً لضرب شديد في الشارع في ميونيخ ولم يساعدها أحد، لا المارة، ولا الشرطة. سمعت عن رجال مثليي الجنس في النمسا ما زالوا يتزوجون للتغطية على ميولهم الجنسية.

مع ذلك، هناك اختلافان كبيران: بشكل عام، المجتمع الغربي أكثر فردية، لذلك ليس كل ما تفعله ينعكس على أسرتك بنفس الطريقة التي تحصل معنا، كما يوجد لديهم قوانين ورعاية صحية تحمي الأفراد إلى حد أكبر.

 

تعرض المسرحية تفاصيل صراعات أفراد مجتمع الميم من المنطقة العربية، ولكنها تعرض أيضاً تاريخ نشاطهم في المنطقة. لماذا تعتقدين أنه من المهم إدراج ذلك؟

علينا توثيق تاريخنا بالكامل، كما يُوثق منسجمي/ات الهوية الجندرية والمغايرين/ات من حولنا تاريخهم. نحتاج التوثيق لتتمكن الأجيال القادمة من رؤية وتقدير وفهم أنفسهم ووضعهم في الماضي والحاضر والمستقبل، وليعرفوا أبطالهم وأولئك الذين قاتلوا من أجل الحرية. تلك هي ثقافتنا وهذا هو تاريخنا.

تصوير بيتينا فرينزيل


ما هي الصعوبات (إن وجدت) التي واجهتها في محاولة تنظيم المسرحية؟

أضحكني هذا السؤال. أيمكنك تخيُّل محاولة عرض مسرحية عن الكوير والعابرين/ات في بيروت أو عمان على سبيل المثال؟ لقد حاولت بالفعل في بيروت، ووافق المركز الثقافي الفرنسي على تنظيمها (لأنه يُعتبر في الحقيقة على أرض فرنسية مما يمنع الرقابة اللبنانية من التدخل) لكن المخرجين غيروا رأيهم. تعرض “هي هو أنا” مشاهد تشير إلى استجواب واعتداء الأمن اللبناني على امرأة عابرة وسجنها، لذلك لم تكن هناك طريقة لعرضها على العلن. تدور مسرحيتي “أينما أذهب” حول حياة نساء كويريات في بيروت، ولم تكن الممثلات فيها معلنات عن ميولهن الجنسية سواء في العمل أو لعائلاتهن بطريقة قد تكون آمنة لهن. بدلاً من ذلك، نظمنا عرضاً خاصاً في الجامعة الأمريكية في بيروت لمن تمت دعوتهم بشكل خاص فقط.

في النهاية، شعرت بالإحباط بسبب كل شيء في بيروت وقررت المغادرة إلى أوروبا. هنا، تكمن المشكلة في أن قطاع المسرح يتسم بالعنصرية والتمييز الجنسي والترانزفوبيا. في الغالب، فإن الرجال البيض منسجمي الهوية الجندرية هم من يمتلكون السلطة. حتى النساء البيض الأوروبيات منسجمات الهوية يواجهن صعوبة في محاولة دخول مجال المسرح في ألمانيا، لذلك يمكنك تخيل مدى صعوبة الأمر بالنسبة لشخص مثلي: عربية تحمل اسماً عربياً، عابرة، لا تتحدث اللغة الألمانية، ولم تدرس المسرح مطلقاً، ناهيك في النظام الألماني. لم يكن لدي واسطة. لكنني ثابرت وأخيراً تم إنتاج مسرحيتي هذا العام باللغة الألمانية في فيينا. كما أُنتجت مسرحية لي في ميونيخ العام الماضي، تتحدث عن العنصرية في التلفزيون والسينما الألمانية.

تصوير بيتينا فرينزيل


ما هي ردود الأفعال التي تلقيتها من الأشخاص المتأثرين بشكل مباشر، أولئك الذين يعيشون داخل العالم العربي؟

من المفارقات أنني تلقيت ردوداً قليلة جداً. عندما أُنتجت مسرحيتي في فيينا، تلقيت التهنئة على وسائل التواصل الاجتماعي من بعض الأصدقاء المقربين. كما تمت تغطيتها في جريدة الأخبار، وتلقيت تهنئة من إمرأة منسمجة الهوية بعد أن قرأت الخبر. لكن ليس أكثر من ذلك. لكن كوني من الأردن ومن عائلة ترفض المثلية، لم أعد أتوقع الدعم أو الاحترام أو الاعتراف منذ زمن بعيد. خاصة أنني نشأت كامرأة هناك. يُعلمك ذلك أن تتوقع الأسوأ. حتى ماي كالي، لم تتواصل معي حتى الآن. لماذا؟

 

تصوير بيتينا فرينزيل


هل تختلف ردود الأفعال هذه عن تلك التي تلقيتها حيث عُرضت المسرحية؟

في فيينا، بيعت كل تذاكر “هي هو أنا”، وكانت هناك قائمة انتظار. أحبها الناس وتأثروا بها كثيراً. حصلنا على المركز الثاني في قائمة المسرحيات هناك. كُتبت ست مقالات عني وعن المسرحية. جاء إلي الكثير من الناس بعد العروض ليشكرونني. أكثر ما أحببته هو عندما حضر صف مدرسي من المراهقين، لم يصدروا أي صوت طوال العرض، كان ذلك بالنسبة لي أكبر علامة على النجاح.

هل لديكِ خطة لعرضها في أي مكان آخر؟

أجل، لكني أسعى أولاً لنشرها مع دار نشر ألمانية وسوف يقومون بتوزيعها لي. هذا ما أعمل عليه حاليا.

هل سيكون هناك جزء ثانٍ للمسرحية، أو مسرحيات غيرها عن ذات الموضوع؟

نعم بالتاكيد! لكنني لا أحب التحدث عن الأشياء التي لا تزال قيد العمل.

 

في وقت يشهد رقابة شديدة على هويات مجتمع الميم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تسلط رافاييل خوري الضوء على القضايا التي غالباً ما تبقى مخفيةً في الظل. من خلال تسليط الضوء على صراعات وتاريخ حياة المثليين/ات ومزدوجي/ات الميول والعابرين/ات جنسياً من العالم العربي، تقوم مسرحياتها بتوعية جماهيرها وإخبارهم بمعنى أن تكون فرداً من مجتمع الميم في المنطقة.