بقلم موسى صالح
تحرير موسى الشديدي
الصور: وسط البلد بيروت لبنان 


حوالى الخمسة وثلاثين شخص انطلقوا من جانب تمثال رياض الصلح1 في وسط بيروت ليعودوا بعد ساعتين من المسيرات حول الأحياء الرئيسية في العاصمة ألاف المحتجين/ات. تلك الحركة امتدت على الفور لتشمل قطع طرقات وإحتجاجات في ضواحي بيروت مما زاد عزم المتظاهرات والمتظاهرين في وسط بيروت ومناطق أخرى بعيدة عن العاصمة على عكس أي احتجاجات شهدها لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، اتحدت طرابلس مع بعلبك، وعكار مع النبطية، وصور مع وبيروت، وعالية مع الشوف مروراً بكل النقاط الفرعية في مشهد إحتجاجي ثوري على النظام الطائفي الذي لطالما كابر واستغل قدرات وموارد لبنان والمقيمين فيه ليزيد من بطشه واكتنازه. 

يحاول هذا النص رصد مشاركة أفراد مجتمع الميم في  المظاهرات في بيروت، والبحث في ارتباط مطالب مجتمع الميم بمطالب الثورة.

الميم في الثورة
ثورة أهلية لا طائفية لم تشهد لها هذه البقعة الضيقة جداً من العالم أي مثيل، ما يميز هذه الثورة بالنسبة لي، إضافةً إلى كسر حاجز الخوف من سلاطين الطوائف وقدرتهم على ترهيب الشعب، حضور أفراد مجتمع الميم بشكل كبير وواضح بدون أي خجل أو خوف، لا بسبب “انفتاح المجتمع اللبناني” كما يظن البعض بسبب الصورة التي تعمل بعض الجمعيات التي تدافع عن مجتمع الميم، على تصديرها لدول الجوار والعالم بأن “لبنان بلد الإنفتاح والحريات في المنطقة”، بل بسبب كم الغضب المخزّن عند أفراد مجتمع الميم  كجزء من غضب كافة أطياف الشعب بطبيعة الحال.

على عكس تصوير البعض ومحاولتهم إختزال معاناة أفراد مجتمع الميم في فقاعات معاناة التمييز على أساس النوع الإجتماعي والميول الجنسية فقط، الأمر الذي أراه مترسّخ بعض الشيء في أفكار الكثيرين وطريقة ربطهم للأمور الاجتماعية والسياسية من حولنا بذواتنا وأدوارنا، في حقيقة ميولنا وهوياتنا وجنسنياتنا المتعددة بحد ذاتها قضايا سياسية، بجنسانياتنا الغير نمطية وكل ما يواجهنا من عنصرية وكره إجتماعي وسلطوي خصوصاً مع إستغلال المادة 5342 من قانون العقوبات اللبناني لتجريم العلاقات “الجنسية الخارجة عن الطبيعة”، إلا أنها ليست مشكلتنا الوحيدة في الحياة فنحن لاجئين/ات، ومعوّقين/ات، وفقراء وفقيرات، قدراتنا الأكاديمية متفاوتة، وعاملات منزليات، وعمّال أجانب، وعاملات وعمال جنس ولا نقمع بسبب انتمائنا لمجتمع الميم فحسب، قضايانا السياسية مترابطة في نظام سياسي إجتماعي لا مجال له إلّا السقوط. 

هل الجنسانية أولوية في الثورة؟
من العبارات التي خُطّت على جدران المدينة وساحة رياض الصلح تحددياً تبرز عبارة “لوطي مش مسبّة” و”لواط للثورة”، التي قام أحد المتظاهرين بمسحها فيما بعد، و”سحاقيات ضد العنصرية” كما تزيّن “عابرات للثورة” أحد زوايا الساحة بالإضافة إلى جرأة البعض في التعبير عن هوياتهن/م وجنسانياتهن/م داخل الساحات. هذه الجرأة في الظهور واستصلاح أو استرجاع المساحة الطبيعة لأفراد مجتمع الميم كجزء أساسي من المجتمع اللبناني هي نبض من نبضات الثورة، لأننا نثور على نظام أبوي عقائدي فاسد ولن تكون معركتنا ناجحة ومكتملة إلّا باكتمال جميع عناصر المجتمع. 

هذا العنصر الأساسي، لطالما كان محط نقاش بيني وبين عدد من الأفراد إن كان في الساحة مباشرةً خلال حلقات النقاش الدائمة أو على وسائل التواصل الإجتماعي أو حتى تطبيق التعارف بين المثليين “جرايندر” الممنوع رسميا في لبنان، فعلى الرغم من إيمان بعض الأشخاص بصوابية وضرورة التواجد العلني، مع أخذ جميع الإحتياطات الأمنية طبعاً، إلّا أن هناك من يقول “لا، هذه  ليست أولوية نحن نريد مطالب اقتصادية وسياسية أما هوياتنا وحقوقنا كأفراد غير نمطي الجنسانية تأتي في وقت لاحق” هذا السيناريو غير الجديد على الحركات المطلبية التي تدافع عن حقوق الفئات المهمشة والمضطهدة مثل الحركات النسوية وحقوق العمّال والعاملات الأجانب في لبنان لا مجال له اليوم، نحن موجودون وموجودات في جميع الساحات ندافع عن خبزنا وتعليمنا وصحتنا ومستقبلنا وجنسانيتنا، لا مجال للمساومة أو لتفضيل أولويات على أخرى لأن “كل قضية هي أولوية والتضامن هو الحل”، الشعار الذي أطلقته الحركة النسوية التقاطعية من بيروت، بناءً عليه من يدّعي أولوية المطالب المعيشية ومحاربة الفساد أو إسقاط النظام على حقوقنا الجنسية والجندرية فهو في مسار غير شرعي فشله حتمي.

 

قضايا متعددة صراع موحّد
في حين  القضايا عملياً غير منفصلة بل مرتبطة بشكل يجعل منها سلسلة عقد مفتاحها واحد وهو النضال ضد النظام الأبوي الرأسمالي الاستعماري ومحاولة تحطيمه عبر جميع المنافذ الممكنة بالتعاون والتضامن. فمثلاً عدم مطابقة الشكل للصورة النمطية للجنس في الوثائق أمر كفيل بحرمانك  الحصول على أي فرصة عمل في لبنان، أما من ناحية الخدمات الصحية فهناك فئة كاملة من الشعب محرومة من حقها في العلاج الهرموني. وأضف عنصرية خطاب السلطات اللبنانية، الذي تعيد إنتاجه آليات ممنهجة تسيطرة على خطاب الشعب، فاللاجئـ/ـة الأنثوي/الرجولية المظهر الأكثر عرضة للتعذيب والتحرش والسخرية في مؤسسات السلطة الرسمية، ما يؤكد أن جنسانية الأفراد غير منفصلة عن مطالب الثورة بالحصول على فرص عمل عادلة وخدمات صحية مجانية والقضاء على الفساد في مؤسسات الدولة

‏هويّات الأفراد الجنسية والجندرية (قبل قولبة الجنسانية) أكانت فطرية أم اختيار هي حق مطلق على القانون كونه ينظّم المجتمع أن يقدسها. جنسانياتنا المتنوعة هي “الطبيعية”، وهي جزء أساسي من مطالبنا ونضالاتنا اليومية ضد الأهل والمجتمع والمؤسسة الدينية والسياسية، وبناءً عليه فهو مطلب محق أساسي من دعائم الثورة لا يمكن التنازل عنه أو التقليل من أهميته. في اللحظة التي انتفض فيها الشعب اللبناني على نظام طائفي قائم على “شد عصب”3 الجماهير بعقائد دينية وطائفية تستند إلى مراجع وأعراف تجرّم الجنسانية غير النمطية، لا بد أنه سار بإتجاه دولة مدنية علمانية لا مكان فيها للتمييز ضد الأشخاص حسب ممارساتهم/ن الجنسية وأداءاتهم/ن الجندرية. المجتمع الذي نسعى إليه هو مجتمع علماني مدني نسوي قائم على إحترام الأخرين بدون أي مبررات أو مسببات يضم اللاجئين/ات ويحمي حقوق العاملات والعمّال الأجانب ويحترم حقوق الأشخاص المدنية والسياسية بدون أي تمييز أو إضطهاد.