بقلم موسى الشديدي
تحرير خالد عبد الهادي
الصورة الرئيسية: بعدسة رفيق ناصر الدين – أرشيف ماي كالي © ، ٢٠١٢
تحرير الصورة: عمر بريكة

 


لقد شهدنا ولادة الدورة الأولى من المهرجان النسوي العالمي الذي بدأ الجدل حوله قبل انعقاده حتى، حيث وجدنا الكاتبة والباحثة النسوية اللبنانية ناي الراعي1 التي كان من المقرر استضافتها للحديث في المهرجان تعلن انسحابها منه يوم 21 شباط أي قبل انعقاده ب 6 أيام، وجاء الانسحاب بسبب إعلان إدارة المهرجان عن استضافتهم لرجل “متحرش ومبرر للتحرش” بحسب ما ذكرته الراعي في منشورها على حساب الفيسبوك، وبأنه “مارس الاعتداء اللفظي والتهميش والتنمر والعنف ضد النساء على مدى العقد الماضي”، مع هذا قرر المنظمون/ات بقاءه على المنبر، ما دفعها للانسحاب رافضة أن تشارك منبرها مع هذا الرجل. 

الجهات المنظمة للمهرجان هي المركز الفرنسي في لبنان ومركز دعم لبنان والمعهد العربي للمرأة ومعهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف ومركز جمانة حداد للحريات، بدأ المهرجان يوم الخميس 27 شباط وانتهى الأحد 1 آذار. المفاجأة كانت فيما نشر على صفحة مركز جمانة حداد حول فعاليات المهرجان، حيث نشر مقطع من مشهد مستوحى من مسرحية “قفص” للكاتبة والناشطة “النسوية”جمانة حداد التي تمثل أحدى الجهات المنظمة، الذي أخرجته لينا أبيض وأدته ديما الأنصاري، نجد سيدة ترتدي نقابا عملاقا يغطيها ويغطي المنصة الجالسة عليها كلها بالكامل، نسمع صوتها يتسلل من تحت طبقات القماش الأسود، “بشوف العمال عم يكنسو الزبالة من تحت البيت، بتخيل حالي هيك مزتوتة (مرمية) بيناتهم، ما عاد عندي غيرأني أنطر الموت، ناطرة بس أن يدفنوني بشرشف أبيض بدل هالأسود، شو الفرق؟ هيك هيك دافنيني أنا وعايشة” تسكت قليلا ثم تكمل “أنا بسرق الهوى سرقة، بسرقه وبستحي من حالي” تسكت وينهال التصفيق. في النسخة الكاملة التي عرضت على خشبة مسرح ميترو المدينة عام 2016 هناك عبارة أشد وضوحا تقولها ذات الشخصية “بيعيطولي كيس زبالة أسود، نينجا، خيمة” بشكل ساخر جدا حيث يمكننا سماع قهقهات الجمهور تتعالى.


ما الفرق بين تشبيه المنقبة بكيس قمامة أسود عن تشبيه السافرة بحلوى مكشوفة تأكلها الحشرات؟

في الحالتين نحن نشيء المرأة ونتعامل مع عقلها وكيانها وشخصيتها ومشاعرها وكأنها شيء، ملك لأحد ما، لا يمكننا أن ننكر بأن الكثير من النساء يجبرن على ارتداء الحجاب والنقاب بشكل قامع مؤلم لا يمكن السكوت عليه، ولكن هل تشبيههن بكيس القمامة سيحررهن بأي شكل من الأشكال؟ هل نسوية اليوم أو على الأقل الشكل الذي تتبناه جمانة ما يزال ساقطا في فخ الأب الذي يعتقد أن توبيخه لأبنه قد يتسبب بنجاحه في المدرسة؟ أليست هذه أولى وأكثر أشكال الأبوية وضوحا؟ أليست إهانة النساء أبسط أشكال الذكورية بغض النظر عن جنس من يهينهن؟ ألم يكن من الأولى أن نشتم الرجل الذي يجبر النساء على ارتداء الحجاب ونسخر منه؟ ونشبه عقله بكيس القمامة؟

والأهم ما الذي يجب أن يخيفنا أكثر؟ أن تفتح المنابر لشخص متهم بالتحرش والتنمر بالنساء كي يحكي لنا عن “دفاعه عن حقوقهن”؟ أم من قطعة قماش على رأس امرأة فقيرة تهتف ضد الظلم في بيروت الثورة؟ فالمحجبات والمنقبات لسن مجموعة متجانسة متشابهة من النساء، فمنهن العالمة والأمية الغنية والفقيرة النسوية والذكورية المثلية والغيرية ومزدوجة الميل الجنسي البيضاء والملونة العابرة جندريا ومطابقة الجندر التي اختارت الحجاب بإرادتها والتي فرض عليها فرضا، هناك ملاكمة محجبة وعارضة أزياء محجبة وناشطة سياسية محجبة وعضوة كونجرس محجبة ،فمن المعيب أن نختزلهن بكل تنوعهن ونحبسهن في قفص واحد ونطرح عبارات التنمر عليهن بسياق كوميدي ساخرين/ات منهن.

لقد صاغ الحجاب بارتدائه أو التخلي عنه شكل الصراع بين القوى السياسية الذكورية وأجساد النساء تاريخيا، فلو أخذنا المثال الأوضح في إيران بين رضا بهلوي الدكتاتور العلماني الموالي للصهيونية والغرب وبين الدكتاتور الإسلامي الخميني بعد نجاح ثورته، سنجد الحجاب أحد أهم أدوات قمع الطرفين، ففي الثامن من كانون الثاني/يناير من العام 1936 أصدار  الشاه الإيراني رضا بهلوي مرسوما يقضي بمنع الحجاب باعتباره من مظاهر التخلف وإجباره النساء الإيرانيات على ارتداء القبعات الأوروبية عوضا عنه، بعدها عندما قامت الاحتجاجات على نظامه الفاسد خرج بعض النساء في التظاهرات بالحجاب (حتى غير المحجبات منهن)اعتراضا على قانونه هذا، وتقول الكاتبة رباب كمال في كتابها نساء في عرين الإسلامية الأصولية، “لم تتخيل بعض النساء التقدميات اللاتي فعلن ذلك أنهن سيجبرن على ارتداء الحجاب عنوة فيما بعد”2 حيث أصدرت الحكومة الجديدة بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية في 1979 قانون فرض الحجاب على جميع النساء فخرجن ذاتهن إلى الشوارع سافرات كاشفات شعرهن في وجهه، وهذا يعني أنهن لسن ضد ولا مع الحجاب بل هن ضد أن يتم فرض ارتدائه أو خلعه عليهن، واختراق حرمة أجسادهن. ولو أنشغلت غير المحجبات منهن بتشبيه المحجبات بأكياس القمامة لما كان هناك مستفيد سوى السلطة الدكتاتورية الأبوية.

نساء إيرانيات يتظاهرن في اليوم العالمي للمرأة ضد مرسوم الخميني في فرض الحجاب عام ١٩٧٩

العنف العالمي ضد المحجبات
أصدر معهد SETA للبحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقريرا في عام 2016 تحت عنوان “تقرير عداء الإسلام الأوروبي” ذكر فيه “بحسب البيانات فأنه من المرجح أن تتعرض المرأة المسلمة للعنف في الشارع بنسبة 70%” ووثق حالات تم فيها الاعتداء الجسدي على نساء مسلمات في المساحات العامة والشوارع والحافلات بسبب حجابهن، ويطردن من الكثير من الأعمال، خصوصا بعد موجات الهجرة حيث أصبح خطاب معاداة الحجاب أحد أهم سمات العنصرية ضد اللاجئين العرب والمسلمين في الغرب وتم تجنيس معاداة الأسلام حتى يقمع المسلمات بالدرجة الأولى وتحديدا المحجبات منهن، ولم يقتصر الأمر على أوروبا ففي مصر نشرت المدونة البصرية على موقع يوتيوب آلاء أبو ذكري فيديو تحت عنوان “أزمة الحجاب في مصر” تشرح فيه الصعوبات التي واجهتها بشكل شخصي في سوق العمل وشركات التوظيف بسبب حجابها والطرق المتعددة والمتنوعة التي حاول فيها أصحاب العمل إقناعها نزع الحجاب أو رفض توظيفها، بأشبه ما يكون سياسة تجويع المحجبات حتى في بلاد غالبية النسوة فيها محجبات، ما بالك بالمنقبات؟

الحكم على النساء من مظهرهن يمثل أعلى درجات الذكورية وكره النساء، لا يفعله شخص إلا إذا كان يعتقد بأن المرأة مظهر فقط، فارغة وناقصة عقل ومظهرها يحدد إن كان يجب علينا أن نحترمها أو نحتقرها، البعض يحترم المحجبات فقط كشيوخ الدين المتطرفين والبعض الآخر يحترم السافرات (غير المحجبات) فقط كبعض مدعي/ات النسوية.


قبل 1400 سنة

لو عدنا بالتاريخ إلى الحقبة التي صار فيها غطاء الرأس أداة طبقية بيد القادة المسلمين سنجد رواية في غاية الأهمية عن الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، عندما دخلت عليه جارية مختمرة فغضب، لأن الحجاب وتغطية الوجه في ذلك الوقت كان للنساء الحرائر فقط أما من كانت عبدة/جارية فيمنع عليها الحجاب، وكان الهدف من هذا التمييز بين السيدات الحرائر والجواري، فضربها قائلا “أتتشبهين بالحرائر؟” هذه من أهم القصص التي يعتمد عليها من ينظر للحجاب كإهانة للمرأة اليوم، بعد مرور 1400 سنة على هذا الحدث -الذي لا نعرف مدى صحته- انتهت هذه الوظيفة للحجاب مع انتهاء العبودية في العالم، لكنه يبدو أنه أخذ أشكالا مختلفة اليوم، وكما رأى بن الخطاب في ارتداء تلك الجارية للحجاب والخمار إهانة لنظامه الطبقي تفعل الكثير من “النسويات” اليوم، حيث يعتبرن ارتداء المرأة للحجاب تهديدا لتحرر النساء، ففي الماضي كان الرجل يعتبر المرأة غير المحجبة عبدة، ملك له يفعل بها ما يشاء، واليوم تعتبر بعض “النسويات” المحجبة كيس قمامة تركله متى تشاء، ليضحك لها جمهورها ويصفق.

الكثير من النسويات والنسويين يرون في الحجاب والنقاب إهانة للمرأة بالمطلق، معتمدين على نصوص عمرها 1400 سنة في فهم ظاهرة الحجاب اليوم، وهو ما أجده إشكالي جدا، فالمشكلة اليوم يجب أن تُفهم بالسياق الذي تظهر به اليوم، لا بسياق قبل كل هذا الوقت، فالكثير من النساء يجدن راحة في الحجاب والنقاب، وحتى لو اختلفنا معهن لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نفرض عليهن السفور لأن من يفرض السفور لا يختلف عمن يفرض الحجاب، كليهما يعتقدان أن جسد المرأة ملكية لهما، وهذا غير صحيح.