بقلم: هبة أبو طه
تصوير عمر بريكة
شخصيات الصورة :تالا صديق، هاشم، يامن.
تلبيس فادي زعمط و شكري لورانس (بالتعاون مع مجموعة تراشي)
الإخراج الابداعي شكري لورانس
مكياج: نورا سالم
شعر: فرانك بروڤوست – الأردن
هذا المقال من ملحق الكورونا التابع لعدد ‘الزواج و الأعراس’ – هيكل العدد هنا

 

انقلبت الحياة رأسا على عقب منذ آذار الماضي بسبب جائحة كورونا المستجد (كوفيد -١٩) فالجائحة حملت معها الكثير من التغييرات التي لم تكُن تخطر على بال مواطن أردني، في أن تُصبح حياته يوما على هذا الشكل وأن يُصبح رهينة للحظر وأوامر الدفاع، وأنّ أكثر قرار شخصي متعلق به محكوم لأمر دفاع ولفيروس لا يُعرف متى سيزول ألا وهو عقد القران والزواج. 

عديدون من الأردنيين والأردنيات شكلت لهم الجائحة هما كبيرا وحزنا، لأنها حالت بينهم وبين موعد زفافهم موعد اليوم الذي كانوا يحلمون به ليدخلوا بيت الزوجية ويباشروا بتكوين حياتهما الأسرية فمنهم من رضخ وأجل موعد الزفاف ومنهم من تحدى الكورونا ونفذ موعد الزواج في وقته ومنهم من قرر الزواج على حين غرة في ظل الجائحة. 

المُصادفة بالأردن أن وباء كورونا المستجد (كوفيد – 19) كان أحد أسباب تفشيه في البلاد عرس في مدينة إربد، حيث كانت شقيقة العروس ووالدها قادمان من إسبانيا وكندا للأردن، لكن فرحة العرسان لم تكتمل بسبب الكورونا التي كانت حاضرة في الزفاف تقتنص ما تُريد لتصيبه بوبائها، فقد أخذ للحجر الصحي على العريسين وعاشا تأنيب ضمير حتى أن العريس نشر على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلا “لكل حدا لكل اللي بحكي غلطك وما كان لازم صار هذا قدر رب العالمين، قدر الله وما شاء فعل لو أي حد مكاني كان عمل عرس حتى اللي وصلوا بالعرس مرقو من المطار وكان وضعهم الصحي ممتاز كنا ضحية ما حد فينا بتخيل انه هيك”. وختم العريس قصي بدعوة الأردنيين إلى مسامحته. 


الكورونا فرصة للزواج
يُجهز الشاب همام نفسه للزواج في زمن الكورونا نهاية تموز الجاري مُعتبرها فرصة يجب اغتنامها لآن تردي الوضع المعيشي، وقلة حيلة اليد كانت تمنعه من أن يطلب يد حبيبته للزواج، فهناك تكاليف لا يقوى عليها. 

يقول همام “الجاهة لا تتعدى العشر أشخاص، ليس كالسابق يجب أن أدعو عشرات الأشخاص لأطلب يد العروس، إضافة للتكاليف التي سأخلص منها بسبب الكورونا مثل الصالة التي تكلفتها تُساوي تكلفة الزواج كاملاً بكل تفاصيله، وصدقا لولا الكورونا لما أقدمت على هذه الخطوة، أقل ما بالأمر أن وجهي لن يسود أمام عائلة العروس بسبب عدم قدرتي على دفع كافة التكاليف”.

يشدد الخبير الاقتصادي حسام عايش على أن كورونا وفرت فرصة استثنائية للكثيرين من المقبلين على الزواج، لأنها بنظره ساعدت الأزواج الجدد وعائلاتهم بالتخلص من الحرج المتعلق بتكاليف الزواج وإقامة هذه الحفلات.وزاد “كانت هذه مناسبة لتوفير ما يرى البعض أنها تكاليف زائدة عن الحاجة والحد لإقامة حفلات الزواج، و إذا أخذناها بهذا المنطق، كورونا ساهمت بتقليل الكلف على المقبلين على الزواج ومنعت تورط قسم كبير منهم بالحصول على قروض، وتحمل كلف يستمرون بالالتزام بها لسنوات طويلة، كانت للأسف هذه الالتزامات سبب من أسباب فتور العلاقة الزوجية أو الوصول للطلاق”.

 

كسر للعادات والتقاليد
يرى همام أن الكورونا فرصة لا بد من انتهازها لكسر العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع على الرجل الذي يفكر في الإقدام على الزواج. قائلا “اليوم أنا غير مضطر لأن أقوم بدعوة غالبية أقاربي ومعارفي للحفلة، فأنا الذي أقرر من يحضر حفلتي وأنا أقرر كيف سيكون شكل الاحتفال وليست العادات من تُقرر”، يا له من أمر عجيب أن ننتظر جائحة حتى نتمكن من مواجهة العادات والتقاليد التي تتدخل في حياتنا.

 ما حفز همام للإقدام على هذه الخطوة سبب وحيد؛ وهو الخلاص من فكرة الجاهة ودعوة عشرات بل مئات الرجال لطلب يد الفتاة التي يريد الرجل الاقتران بها، والتفاصيل الأخرى التي أجبرت الكورونا المجتمع على التخلي عنها، وتقبل الأمور ببساطتها دون فرض تعقيدات وتعجيزات لمجرد أن ينفذ شخصان قرارهما بالارتباط. 

أما ريم فتقول “الفستان الأبيض و الزفة، والقاعة، والأغاني، والعرس، والحفلة، كلها تفاصيل بتنتهي بعد ساعتين، أما الحب هو الذي يبقى” كان من المفترض أن يكُن عرس ريم في نهاية شهر آب الماضي لكن ظروف عمل زوجها في ظل الكورونا سرعت من هذا الزواج، إذ إن الزوج يقطن في لبنان ويعمل بها وعلق في الأردن وان قرر العودة للأردن مرة أخرى لن يتمكن من ذلك لأنه استنفذ جميع إجازاته في عمله فقررا الزواج في أسرع وقت لأن العلاقة عمادها وجوهرها العشق وليس المظاهر و الاحتفالات التي لا داعي لها هكذا أصبحت نظرة ريم بعد الكورونا.

 

الكورونا فرصة لا بد من انتهازها لكسر العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع على الرجل الذي يفكر بالإقدام على الزواج…

 

أشار الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى أن كورونا أحدثت تغييرا بالثقافة، وسمحت بتعديل أو تطوير بعض العادات والقيم السابقة، ومن ضمنها ما يستدعي وجود تجمعات للناس من بينها حفلات الزواج وما قبلها من حفلات مثل وداع العريس ووداع العروس. ومن جهة ثانية حتى لو كان في تجمعات فالتجمعات قليلة فقط من أقاربهم وأصدقائهم فكورونا أثرت على شكل العادات وحجمها وباعتقادي أنها إذا ما تكرست بشكل واسع النطاق فالأعراس ستتحول إلى مناسبة تخص العريسين وأصدقاءهم وأقاربهم فقط، فتفرض إيقاعا اجتماعيا جديدا لا يحملهم أعباء مرهقة وزائدة عن الحاجة، فكورونا هذبت العادات وقللت من التكاليف في هذه الناحية.

 

شخصيات الصورة :تالا صديق، هاشم، يامن. تصوير عمر بريكة. تلبيس فادي زعمط و شكري لورانس (بالتعاون مع مجموعة تراشي). الإخراج الابداعي شكري لورانس. مكياج: نورا سالم شعر: فرانك بروڤوست – الأردن

الاحتلال والزواج
على صعيد آخر يقول أحمد أنا حطمتُ كل الحواجز الحدودية والمكانية والزمانية وطلبتُ يد الفتاة التي عشقتُها منذ أول لقاء جمعنا سويا قبل عام تقريبا لكن ما كان يحول بيني وبين الإقدام على هذه الخطوة أنها تقطن في فلسطين بالضفة الغربية وأنا لا أستطع السفر إلى فلسطين لعدم وجود تصريح لدي أو هوية ضفة وفعلا استغليتُ الكورونا لأطلب يدها من خلال برنامج سكايب حيث جلست أنا وعائلتي أمام جهاز الكمبيوتر وهي وعائلتها كذلك وطلب والدي يدها واتفقنا على عقد القران بعد أن تفتح الحدود وتأتي هي وعائلتها إلى عمّان. 

ولا بد من الإشارة إلى أن معاناة أحمد بطلب يد البنت التي أحبها يذوقوا مرارتها العديدون بسبب العدو الصهيوني الذي يقتل أبناءنا وحتى أفراحنا.

 

أريد عرسا وانتقادات لأوامر الدفاع
لم تقبل فدوى أن تُجري عرسها خلال الظروف الراهنة قائلة “أحلم طوال عمري باليوم الذي سأرتدي به الفستان الأبيض وأجد كل من أعرفهم حولي وهم يفرحون بي”؛ لهذا الأمر قررت فدوى تأجيل عرسها الذي كان مقررا قبل الجائحة في شهر حزيران إلى أن تعود الأمور إلى طبيعتها لكن هذا الأمر جعلها تواجه مشاكل عدة بالأخص مع خطيبها لقرارها تأجيل العرس ما جعل العلاقة بينهما متوترة. 

وفي ذات الوقت أجل الشاب عيسى موعد زفافه بناءا على رغبة خطيبته وقمنا بدورنا بالتواصل معها أيضا وأكدت لنا أن قرارها جاء لأنها لا تُريد أن تضيع ليلة زفافها هذه ولا تُريد أن تكون فقط مقتصرة على أشخاص محددين وفق أوامر قانون الدفاع.  

كما وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات عدة حول موضوع الزفاف والعزاء بأن تكُن مقتصرة على عدد معين في الوقت الذي تُفتح به المقاهي والمطاعم وغيرها، حاولنا التواصل مع عدة ناشطين لأخذ تصريحات منهم، لكنهم اعتذروا خوفا من أن يُصيبهم ضرر في حال انتقدوا قانون الدفاع علنا.

 

الكورونا جعلتنا أكثر واقعية
تضيف ريم “الكورونا أكدت لي أن كل ما أسلفت ذكره من مراسم الزواج ليس سوى تفاصيل لا أكثر، المهم الحب والفرحة التي تجمعني وزوجي في كنف عائلتنا، ولا شك أن الكورونا جعلتنا نتعايش مع الواقع ونكون سعداء دون أن نقدم الغالي والنفيس وكل ما نملكه من أجل ليلة عرس في إحدى الفنادق والصالات”. 

يتفق مصعب الطبيب مع ريم ويقول فعلا الكورونا جعلتنا أكثر تعايشا مع واقعنا، فيوم عرسي كان في الثامن والعشرين من آذار وكانت ترتيبات الزفاف وحجز الفندق منتهية وكل الأمور جاهزة لكن الأعراس ممنوعة بموجب أوامر الدفاع، فما الحل؟ أقوم بإلغاء عرسي أو تأجيله بالطبع لا لأن تأجيل العرس له إشارة سيئة وفاله سيء أيضا فقررنا أنا وشريكتي الزواج رغم الكورونا.  

يتابع “فترة الحظر بقينا سويا عرفنا بعضنا أكثر، طباعنا وصفاتنا وحتى علاقتنا باتت أجمل وأعمق مما كانت ستكُن عليه دون حظر لان بالظروف الصعبة تظهر طبائعنا كبشر، وهذا ما حدث بيني وبين شريكتي”. 

بالعودة للعادات والتقاليد يقول مصعب “نعم تمردنا على العادات والتقاليد بكل ما تحمله من معنى وتخطينا فكرة المجاملة وعزيمة كل شخص قريب على العائلة أو على محيطنا يُفرض علينا حتى لو نحن لم نكن نريده، فنعم عرسي الصغير أنا ومرام كان أجمل بكثير مما كان سيكون عليه في ذات الفندق”. 

على الصعيد الآخر يطرح العديدون سؤال عن مدى استغلال الدولة الأردنية للإحتفالات و الأعراس المقامة في تبرير فشلها بالأخص بعد تصريح وزير الصحة الأردني سعد جابر في شهر أيلول الماضي بأن الأفراح هي سبب انتشار وباء الكورونا الأمر الذي يُدلل على أن الدولة تأخذ من الأعراس والاحتفالات ذريعة وشماعة لتعلق فشلها في إدارة الأزمة عليها.

لا شك ان كل ما سبق يؤكد أن الكورونا ولدت حالة جديدة في مجتمعنا الأردني الذي ما زال يُصمم ويُصر ويحارب لأجل العادات والتقاليد ويُجبر الأجيال الشابة عليها وعلى المُضي بما كانوا عليه، كورونا جعلت الشباب هم من يقررون وليس ذويهم وجعلت الأحباء المقربين هم الذين يحظون بفرحهم وليس الجميع بالأخص مممن يُفرضون عليهم، السؤال هنا هل ممكن أن تكن الكورونا بداية لمرحلة جديدة في الأردن تتسم ببساطة الزواج دون عادات وتقاليد جار عليها الزمن، ولكن  نتسائل ما مدى جدوى ذلك واستمراريته هذا الشكل من البساطة بالأخص أنها فُرضت بقوة القانون وليس نتاج حالة مجتمعية أو حالة فكرية متعلقة بنظرة المجتمع لمراسم الزواج.