English

الحوار بقلم: خالد ع.
ترجمة نوارا علي
تصوير ذاتي أثناء فترة الحجر تم العمل عليه خصيصا للعدد
تصميم الغلاف: عاطف دغليس
هذا المقال من ملف ‘إنشالله بكرا’ – هيكل العدد
هنا

سواء كان ذلك بالمرئيات الآسرة أو النغمات الحالمة، يستخدم الفنان والموسيقي المغربي-الكندي مهدي بحمد (هو/هم) مواهبه وخبرته النابعة من خلفيته في الفنون البصرية لربط الأماكن التي يسميها وطنه في الشرق والغرب، ويعبر بحمد عن الانسيابية الجندرية بمختلف الرموز والعناصر الثقافية المغربية ويحتفل بالتشافي والفرح.

على غرار هويّاته المتقاطعة المختلفة، أعمال بحمد المتنوعة ومتعددة التخصصات ترفض التسميات، ولادة مسيرته المهنية في المسرح العالمي كانت من رحم مشروعه الأول “Khôl” والذي حاول فيه العمل على ومواجهة التشافي الشخصي (والجماعي) من خلال “العملية التحوّلية لاكتشاف وفهم وتقبل [نفسه] و[ماضيه].”

يهدف بحمد  من خلال عمله الحائز على جوائز والذي تم عرضه والاحتفاء به في مهرجانات الموسيقى والأفلام الدولية في جميع أنحاء العالم إلى مواصلة عمله في التشافي والبهجة، والحلم بمستقبل لا يخشى فيه أحد أن يكون على طبيعته خاصةً لمجتمعه في وطنه المغرب والذي يستمد الإلهام منه دائمًا.

بدءًا من H.E.N.N.A. و Khol وانتهاءً بالمجوهرات الأمازيغية وحركات الرقص، كيف شكّلت نشأتك فنّك ومن أنت؟ وكيف يلعب جانبك الكويري دورًا في ذلك؟
من الصعب وصف ذلك، إن الفن بداخلي وأنا ببساطة أطلقُه، في هذه اللحظة بالذات أنا أجيب على هذه الأسئلة من مقهى صغير في المغرب وأشعر بالثبات، كل شيء هنا نابض بالحياة من الناس إلى الموسيقى والألوان والطعام والهندسة المعمارية، أعتقد أن نشأتي في الخارج رغم كوني وُلدت في المغرب جعلتني متمسكًا بثقافتي بشكل أقوى وسمحت لي بتأملها لدرجة من الانفصال، كما أن نظرتي للمغرب ما تزال ملونة إلى حد كبير ببراءة الأطفال، لقد منحني هذا الانفصال والبُعد المساحة اللازمة لإعادة صياغة ثقافتي بطريقتي الخاصة دون أن أساوم نفسي. حظيت بتميز استكشاف كويريتي في كندا وأنا ممتن لذلك إلى الأبد، أعتقد أن فنّي يعبر عن نفسه في الغالب من خلال إسناد النوع االجندري للرموز الثقافية والانسيابية الجندرية.

ما هي الأماكن والأشخاص والروائح التي تسميها بالوطن؟ كيف تطورت هذه الأشياء مع الوقت وأثرت على فنك؟
معظم أفراد عائلتي لا زالوا يقيمون في نفس الأحياء في المغرب، لا أحب شيئًا أكثر من العودة إلى منازلهم حيث صنعت الكثير من الذكريات الدافئة، أحب مشاهدة عائلتي تغفو ببطء بعد وقت الشاي بعد الظهر، وأحب الذهاب إلى متجر الزاوية (مول الحانوت) مرتديًا البلغة لشراء بعض الخبز والمشروبات الغازية للعشاء، وأحب أن كل شيء عفوي ومريح.

من البديهي أن تتغير الأمور، ومع ذلك فإن رؤية عائلتي تتقدم في العمر تؤلم قلبي وأعتقد أن هذا جعلني أكثر حنينًا للماضي؛ الوقت مخيف جدًا بالنسبة لي، في كل مرة أعود فيها إلى المغرب يتزوج ابن عم، وينتقل قريب إلى بلد آخر، وتمرض عمة ويموت عم، وما إلى ذلك، والصدمة أشد إيلامًا لأنني لا أستطيع رؤية التطور وهو جذري، أشعر أن الوقت يأخذ الكثير وربما هذا هو السبب في أن عملي متأثر إلى حد كبير بالذكريات، أعتقد أنه لجعلها خالدة بطريقة ما.

“أحلم بعالم لا يكون مجزئًا إلى هذا الحد وعالم حيث تشير فيه كلمة المجتمع إلى الجنس البشري ككل، لن أضطر في هذا العالم للإجابة على الكثير من الأسئلة حول كويريتي لأنني أكثر من ذلك بكثير”

مهدي بحمد


متى ألِفت الفن، ومن/ما هو مصدر إلهامك؟ ما الصيغ التي تهدف إلى توسيع نطاق فنك فيها في المستقبل؟
لقد كنت مهتمًا بالفن منذ زمن بعيد، كنت طفلاً مهووسًا بديزني وأمضيت وقتي بالكامل في مشاهدة كلاسيكيات ديزني وكنت أوقف الفيلم عند لقطتي المفضلة وأضع ورقة على شاشة التلفزيون لأرسم ما تحتها، كان عمري حوالي 3 سنوات حينها. ثم اكتشفت مغنيات البوب (أولهن شاكيرا ونانسي عجرم) وكنت انتظر عرض فيديو كليبات الأغاني  المفضلة لدي على التلفاز ورسمت المشاهد والأزياء المختلفة، في وقت لاحق عندما ظهر يوتيوب تعلمت العديد من تصميمات الرقص ببساطة من خلال مشاهدة مقاطع الفيديو الموسيقية والعروض الحية مرارًا وتكرارًا، لقد احتفظت دائمًا بشغفي وافتتاني بثقافة البوب، وأتطلع حقًا إلى توسيع الحركة والرقص في المشاريع الجديدة التي أعمل عليها، أريد أن أضع الأداء في صميم عملي.

قدم مشروعك الأول “كُحْل” رؤية للتشافي ومستقبلًا متفائلاً، ما رأيك في أثر ذلك على آخر أغنية لك “سكر” ومشاريعك المستقبلية الأخرى؟
كان “كُحْل” يتمحور حول الشفاء بالفعل والعملية التحوّلية لاكتشاف وفهم وتقبل نفسي وماضيي، لقد كان
المشروع بطريقة ما يمثل ولادة شخصيّتي الفنية وساعدتني في احتضان صوتي، لا يعني ذلك أنني شفيت تمامًا الآن لكنني بالتأكيد أكثر تسامحًا مع ما آلمني. والآن بعد اعترافي ومشاركتي بعض الجوانب المظلمة لديّ يمكنني أن أغني عما أتخيله لنفسي ولنا جميعًا، “Khol” يدور حول ما لم أختر المرور به بالضرورة في حين أن عملي الجديد يدور حول مكاني وحيث أريد أن أكون، لذلك أقول إنه بالتأكيد أكثر ثقة وغير اعتذاري ونعم، إنه متفائل.

العمل الفني الخاص بأغنية ‘سكر

إن موسيقاك ومرئياتك هي احتفال بالفرح والتمكين، كيف تشعر عندما تثير موسيقاك الأمل والقدرة على تخيل مستقبل أكثر حرية في منطقة يُحرم فيها المثليون والمتحولون جنسيًا من هذه الأشياء؟
أشعر أنني ذو امتيازات وأشعر بالحزن في نفس الوقت، لكن الأهم من ذلك أنني أشعر بالتفاؤل والثقة أن الحال سيتغير في المستقبل غير البعيد ولقد بدأت الأمور تتغير بالفعل، أعرف إحساس إلغاء نفسك وأنك قد تفقد كل شيء لمجرد كونك أنت؛ هذا هو السبب الذي جعلني أرغب في إنشاء “حديقتي السرية” الشخصية عندما لم أشعر أن الأمان في متناولنا جميعًا، وهذا العالم الداخلي هو ما أنقذني حقًا وآمل أن يساعد أخواتي وإخوتي أيضًا، العالم قد يبدو مظلمًا في بعض الأحيان لكنني أعتقد بصدق أن الفن يمكن أن يساعدنا في الشفاء والنمو معًا.

وُصِفت موسيقاك على أنها “تقاطع بين الشرق والغرب”، كيف تُشعرك هذه التعميمات خصوصًا أن جوانب مختلفة من هويتك تم  نبذها في كلا المكانين؟ هل يؤثر هذا الأمر على فنّك؟
في الواقع أجد الوصف إيجابيًا للغاية حيث لدي الحرية والقوة لأبني من ما يناسبني من كلا الجانبين، أنا
فخور بالمساهمة في إنشاء الروابط بين الطرفين وصنع نوع من المساحة الرمادية لاكتشافها وتشكيلها، كما أريد توظيف اللهجة الدارجة المغربية واللغة الفرنسية في موسيقاي القادمة.

هل لديك أي خطط للغناء بلغات أخرى في مقاطع الفيديو الخاصة بك (مثل العربية ، والدارجة ، وما إلى ذلك)؟
بالطبع، أريد توظيف المزيد من اللهجة المغربية الدارجة واللغة الفرنسية في موسيقاي القادمة.

تزامنًا مع ظهور مبدعي الكوير والعابرين/العابرات من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الغرب، هل تعتقد أن أوطانهم ستحتضن فنّهم؟ كيف يبدو مستقبل فنهم (وفنّك أيضًا) بالنسبة للمنطقة؟
أحاول ألا أفكر كثيرًا في ذلك، أشعر أن التفكير في ذلك سيؤثر على عملي ويجعلني أكمم نفسي بشكل لا إرادي، أنا أفرط في التفكير لذلك أبذل قصارى جهدي في التركيز حتى لا أشعر بالذعر والإرهاق، أعيش نوعًا ما في حالة إنكار عندما يتعلق الأمر بكيفية فهم فني في المغرب، أنا ببساطة أقوم بعملي وآمل أن يساعد ذلك في تطوير الأمور في المنطقة من الخارج، أحلم أن نشعر جميعًا أننا مرحبٌ بنا في أرضنا يومًا ما، هناك الكثير من الأصوات الجميلة والقوية التي تتصاعد وكلّي أمل أن هذا اليوم سيأتي.

تصوير ذاتي أثناء فترة الحجر

غالبًا ما يُثقَل كاهل مبدعي الكوير وعابري/ات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “بتمثيل” المجتمع بأكمله بسبب ظهورهم المحدود، هل تشعر بهذا العبء عندما يتعلق الأمر بقضايا مجتمع المثليين والعابرين في المغرب؟ هل تعرفهم؟
بالطبع أشعر بذلك، أكرر أننّي بطبيعتي شديد القلق وحريص جدًا على عدم إيذاء أي شخص ولا أريد أن يساء فهم ما أقوله أو أقصده، لذا في بعض الأحيان أفضل السماح لعملي بالتعبير بدلًا مني، على سبيل المثال عندما وقعت ملاحقات Grindr في المغرب العام الماضي لم أستطع التوقف عن التفكير في الأمر ولكنني بصراحة لم أتمكن من التحدث، لقد استغرق الأمر مني أكثر من أسبوع لصنع قصة بسيطة عن الحدث حيث شعرت بالكثير من الضغط، أشعر أن الجميع في حالة تأهب عندما يتعلق الأمر بالمسائل الحساسة ولهم الحق في ذلك، ومع ثقافة الإلغاء لدينا أشعر أننا يجب أن نكون حريصين طوال الوقت، تعلمت أنه يجب علي تجنب هذا الشعور بالعبء المشِل لأكون قادرًا على الاستمرار في الإبداع، أنا بكل صدق أعتبر نفسي فنانًا لا ناشطًا، التغيير الاجتماعي الذي أهدف إلى إحداثه يعبر عن نفسه من خلال عملي – هذه هي مساهمتي لمجتمعنا.

كيف ترى مستقبل مجتمع المثليين والعابرين في المنطقة بشكل عام وفي المغرب على وجه التحديد؟ وكيف يتناسب مستقبل سياقك الشخصي وفنك مع هذه الرؤية؟
أنا شخصياً آمل أن يتعلم الناس أن يروا الجمال في اختلافاتنا بدلاً من رؤيتها كتهديد، إنهم بحاجة إلى فهم أن التهديد الوحيد هو مغادرة الأشخاص لبلدهم دون النظر إلى الوراء أبدًا لأنهم يشعرون أنهم غير لائقين أو مرفوضين، معظم من في جيلي في المغرب يغادرون أو يأملون المغادرة ذات يوم لا المثليين/ات والعابرين/ات فقط، من سيرسخ ثقافتنا إذًا؟

أتمنى ألا يشعر أي شخص بعدم الأمان لكونه على طبيعته، أحلم بعالم لا يكون مجزئًا إلى هذا الحد وعالم حيث تشير فيه كلمة المجتمع إلى الجنس البشري ككل، لن أضطر في هذا العالم للإجابة على الكثير من الأسئلة حول كويريتي لأنني أكثر من ذلك بكثير، قد يكون هذا مثاليًا ولكني آمل وأعتقد بصدق أننا سنصل إلى هناك يومًا ما، لست متأكدًا مما إذا كنت سأتمكن من تجربة ذلك على الإطلاق لكنني متأكد من حاجتي إلى أن أكون جزءًا من أولئك الذين سيسمحون للآخرين بالقيام بذلك وهذا ما يدور عملي حوله.

أخبرنا المزيد عن خلفيتك وكيف وصلت إلى ما أنت عليه اليوم
وُلدت في الرباط بالمغرب وعشت في جنوب فرنسا مع عائلتي قبل الانتقال إلى كندا، ومع ذلك قضيت معظم
فصول الصيف في المغرب أثناء نشأتي، كنت طفلًا انطوائيًا جدًا، بدلاً من اللعب بألعابي كنت أقوم بتنظيمها حسب الحجم واللون والنوع، لطالما كان لدي اهتمام غريزي وقوي بالفنون بشكل عام وكما قلت سابقًا ألفت الفنون بسرعة، لكن كإبن مهاجرين مغربيين متفوقِ في المدرسة كان من المتوقع أن أسعى نحو مهنة “بارزة”. لقد كنت دائمًا مفتونًا بجسم الإنسان وأنا أيضًا شغوف بالنحت، اعتقدت في البداية أن الحل الوسط كان أن أصبح جراح تجميل لكن لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لأفهم أن الإبداع كان جوهر قلبي وروحي.

كنت أكتب الأغاني في سن مبكرة، لم أتمتع بما يكفي من الثقة لأغني كلماتي بصوتي واستأجرت مطربين لغناء أغنياتي فقط حتى أتمكن من الاستماع إلى موسيقاي حتى اليوم الذي كتبت فيه “لاي”، في تلك اللحظة علمت أنني يجب أن أعزف أغنياتي حيث أصبحن أكثر حميمية وحملوا الكثير من العاطفة ولذلك سجلت النسخة الأولى من “لاي” في استديو منزلي، أبواب عالمي فُتحت ببطء وألقيت نظرة خاطفة على شخصيتي الفنية ومنذ ذلك الحين لم تُغلق الأبواب ولن يتم إغلاقها أبدًا.

مهدي بحمد وهو طفل – المغرب


لماذا شعرت بالكثير من الضغط لعمل قصة عن ملاحقات Grindr وماذا ألهمك للتغلب على هذا الضغط؟
بالإضافة إلى ما قلته سابقًا هناك أيضًا صوت صغير في رأسي يخبرني أن ليس بالضرورة لائق بي التحدث عن ذلك، أدرك أنني محظوظ للعيش في كندا ولن أتحدث نيابة عن شخص عاش الموقف وعانى منه على الرغم من تأثيره عليّ، بطريقة ما لا أريد “الاستيلاء” على “مشكلة” شخص آخر إذا لم أمر بها بقدر ما فعلوا، أتعرف ما أقصد؟ استغرق الأمر مني سنوات للعثور على صوتي وأنا خائف حقًا من أن يغطي على صوت شخص آخر، ومع ذلك فأنا أدرك تمامًا أن هذا صراع شخصي للغاية ينبع جزئيًا من نزعة المخرب الداخلي وقلة التوكيدات الإيجابية التي نشأت معها، لقد تعلمت أن أحافظ على معتقداتي لنفسي إذا كان بإمكانها إثارة الجدل، أثناء هذه اللحظات أنا ببساطة أكون بحاجة إلى القليل من الوقت لتذكير نفسي بأنني لا “أسرق” أي شيء عندما أتحدث ولا أتسبب بأي ضرر عندما أدافع عن معتقداتي.

تبدو “ثقافة الإلغاء” قضيةً مرتبطة بهاتين المسألتين وتدفع الكثيرين إلى توخي الحذر في عملهم، أخبرنا المزيد عن تجربتك معها كمبدع، متى تعتقد أنها يمكن أن تكون فعّالة؟ ومتى تصبح سامة؟
من الضروري فهم أثر أقوالنا وأفعالنا خاصة في هذا الزمن، أعتقد أن هذا أمر إيجابي ويجبرنا على أن نصبح أكثر وعيًا بتأثير ما نقول أو نفعل على الرغم من أنه سرعان ما يصبح سامًا عندما لا يكون هناك مجال للأخطاء والنمو، نحن بشر نتعلم ونتغير ونأمل أن نتطور، أشعر أنه لا يوجد الكثير من الرحمة والتسامح في الآونة الأخيرة، أفهم أننا وصلنا إلى نقطة التشبع – خاصة منذ عام 2020 – لكنني أعتقد أيضًا أن ذلك يعكس مجتمعنا الاستهلاكي، متى ما كان شيٌ ما ليس كما نريده أو نتوقعه يمكننا التخلص منه واستبداله بسهولة، نحن نمل بسهولة ولا نملك الإرادة والصبر لمحاولة الفهم بعد الآن بل نريد أأن نلغي أو ننتقد الناس في الحياة الحقيقية كما تقول أغنية “Thank you, next”، هذا الأمر يحزنني وأعتقد أنه يساهم في تدهور جودة علاقاتنا ويغذي ثقافة الأداء الفردية، جميعنا مختلفون ومعقدون وأؤمن أن المنظور والسياق شيئان أساسيان لقبول أن واقع شخص ما ليس كواقع شخص آخر.

‘إن كويريتي ليست سوى جانب واحد من هويتي بين العديد من الجوانب الأخرى، أنا لا أعرّف نفسي فقط بهذا الجانب وربما كان هذا السبب في اعتناقي لها بشكل طبيعي وتدريجي”

مهدي بحمد

مهدي على غلاف عدد #٧٢: إنشالله بكرا

كيف كانت صعوبة اعتناقك الهوية الكويرية في الأماكن العامة بالنسبة لعائلتك المقربة والمجتمع الأكبر؟
إن كويريتي ليست سوى جانب واحد من هويتي بين العديد من الجوانب الأخرى، أنا لا أعرّف نفسي فقط بهذا الجانب وربما كان هذا السبب في اعتناقي لها بشكل طبيعي وتدريجي، قد يكون هذا أحد الأشياء النادرة التي لم أفكر فيها كثيرًا في الحقيقة.

إن أنظمة الاستبداد التي نحاربها تتم إدامتها من خلال أقرب الناس لنا ويمكن أن يكون هؤلاء أحد الوالدين أو الأخ أو الجار، كيف يجاري المبدعون محاربة هذه الأنظمة عندما يمكن أن تكون ذلك تجربة شخصية للغاية؟
لا يمكنني التحدث باسم جميع المبدعين لأن لدينا جميعًا خلفياتنا ووجهات نظرنا الخاصة ونهجنا الخاص، لكن أتحدث عن  نفسي عندما أقول أنه كان علي أن أصنع عالمي الخاص وملاذي الآمن من هذه الأنظمة للقيام بذلك، غالبًا ما أشير إلى شخصيتي الفنية على أنها بعيدة المنال ولا يستطيع أقاربي أن يجادلوها، أعتقد أن هذا التمييز النفسي يلعب دورًا أساسيًا في عملي وفي حياتي الشخصية كوني شخصًا حساسًا، الانفصال هو ما يساعدني في المضي قدمًا.

أعلم أنك واجهت مؤخرًا موجة من رهاب المثلية الجنسية على وسائل التواصل الاجتماعي بعد إصدار مقالة Welovebuzz حول عملك في الثامن فبراير وأنك نشرت قصة عن هذا الهجوم والمضايقات على صفحتك في انستغرام قائلًا “هناك عمل يجب القيام به”. كنت أتساءل كيف أثرت عليك هذه الهجمات، وما العمل الذي تعتقد أنه يجب القيام به؟
كنت أتناول العشاء في الخارج عندما قرأت المقال والتعليقات على فيسبوك لأول مرة، بصراحة لا أستطيع حتى تذكر ما أكلته أو كيف عدت إلى المنزل حيث أنني شعرت بالدوار والغثيان لبضع ساعات، لقد كنت متحمسًا للغاية لهذه المقابلة خاصة أنها الأولى مع الإعلام المغربي وشعرت وكأنني أدخل وطني بشكل احترافي لأول مرة، إضافةً إلى ذلك كنت أتوق إلى التواصل مع شعبي المغربي وعندما بدأت الكراهية الزاعمة أنني “بعيدٌ كل البعد من أن أكون مغربيًا” وأنني أضر بثقافتنا -خاصة من أشخاص عشوائيين- شعرتُ وكأنني أُجبِرت على العودة إلى الواقع الموحش. من المفارقات أنني تلقيت أيضًا موجة دعم غير مسبوقة من وراء الكواليس، تواصل معي الناس وعبروا لي عن دعمهم الحقيقي من خلال الرسائل المباشرة وهذا الأمر أثلج صدري حقًا وساعدني خلال ما حدث لأنه ذكرني بوجود أشخاص منفتحين ومتقبلين رغم كونهم غير مرتاحين بعد للتحدث علنًا.

ما يتعين علينا القيام به هو عدم التخلي عن معتقداتنا أو ثقافتنا، أعلم أنه من الصعب التعامل مع الضغط وأن هناك خوف أيضًا وأتفهم تمامًا أنه في بعض الأحيان يكون الانسحاب أسهل وأكثر أمانًا، لكن إن تخلينا عن معتقداتنا أو ثقافتنا سنترك لهم مساحة يمكنهم ملؤها بكراهيتهم وجهلهم، ليس هذا بالأمر السهل وقد لا نرى نتائج ملموسة من كفاحنا لكن علينا التفكير على المدى الطويل وأخذ الهدف الأكبر بعين الاعتبار: نحن نقوم بذلك من أجل حرية الأجيال القادمة.

أنا أيضًا ممتن لقدرتي على إيجاد طرق للتطور من التجارب السلبية، أدرك تمامًا أنني أتحدث عن مواضيع حساسة وأنني للأسف سأضطر لمواجهة هذه الأنواع من ردود الفعل من أجل تغيير الأمور، لقد أمضيت وقتًا كافيًا وأنا أشعر أنني مخيّر بين قيمي وثقافتي ولن أختار شيئًا واحدًا فقط من بينهم أبدًا، ثقافتي هي خاصتي بقدر ما هي “ثقافتهم” وها أنا أستعيدها وأعيشها وأتنفسها كما أحتفل بها وأعاني منها، إنها بداخلي ولا يمكنهم سلبها.