بقلم فاطمة ك
العمل الفني: ملوخية الفيل
ترجمة: هبة مصطفى
هذا المقال من ملف ‘إنشالله بكرا’ – هيكل العدد هنا

على الرغم من شعور الكثير من الناطقين بالعربية  من أصحاب الهويات المهمشة بأنهم منبوذون ومُبعَدون عن الحياة اليومية، يمكن القول هناك ثورة تتشكل ملامحها في فضاء الإنترنت؛ فحتى في أكثر الأوقات صعوبة نجد أشكالًا من التمثيل تظهر على منصات التواصل الاجتماعي، مثل “إنستغرام” و”تيك توك”، تناقش العديد من المواضيع التي تُعتبَر عيبًا في المنطقة الناطقة بالعربية، فهل هذه بداية عهد جديد في منطقتنا العربية؟

يمكننا رؤية أحد التحولات الهائلة في التغطية الأخيرة التي حدثت عبر الإنترنت لقصص نساء تعرضن للتحرش الجنسي أو القتل وما شهدته هذه القصص من ردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، ولبنان، وتركيا؛ فقد وجد الحداد الجماعي على حيوات النساء التي تعرضت للأذى أو الفقد بسبب مجتمعات أبوية وذكورية سامة منفذًا كبيرًا على الإنترنت حيث وصلت أصوات غضبهن إلى جميع أنحاء العالم، وفي غضون أشهر أُنشئت صفحات كثيرة للتنديد بالمسيئين للنساء في جميع أنحاء المنطقة ووصل عدد المتابعين/ات لبعض منها إلى مئات الآلاف، وعلى الرغم من أن التداعيات القانونية لا تتحقق في كل موقف تتعرض فيه النساء للعنف، فإن هذه الصفحات تعبر بفعالية الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع أجساد الإناث والكويريين/ات في المجتمعات الناطقة بالعربية والغضب والضغينة الموجهين ضدها، ويحدث هذا التعبير بطريقة واضحة وضوح الشمس على نحو يستحيل معه تجاهله ويصبح من الصعب غض الطرف عما يحدث أو الدفاع عن المسيئين عند التنديد بهم بقوة، وبدأت المجتمعات الناطقة بالعربية تعترف جماعيًا ولأول مرة بالكيفية التي كان ولا يزال يتم التسامح بها مع الذكورية السامة تقليديًا، وعلى الرغم من التنديد بهذه الذكورية السامة الذي يحدث على الإنترنت في الغالب، إلا إن الخطاب الناشئ في هذا الفضاء تتردد أصداؤه بلا شك في المحادثات التقليدية حول طاولات العشاء وأحاديث القهوة، وسيتغلل في نهاية المطاف إلى وعينا اليومي وآمل أن تصبح الفكرة البغيضة للملكية المجتمعية لأجساد المهمشين/ات واضحة للجميع.

يتطلب صعود خطاب منفتح حول التحرش الجنسي فهمًا أفضل للصحة الجنسية ومحو ما تعلمناه عن مفهوم “العار” المفروض على بعض الأجساد باسم “الشرف”، وقد نشأ عدد من الحوارات المنفتحة والتحررية على مواقع التواصل الاجتماعي بالفعل لتلبية هذه الحاجة من المناطق الناطقة بالعربية نفسها مباشرةً، وهي لا تسلط الضوء على قوة اللغة العربية في التنديد بالأعراف المجتمعية (كالقول بأن “الجنس أمر محرم” لا ينبغي الحديث عنه إلا عند الزواج) فحسب بل على الافتقار إلى المصطلحات العربية اللازمة لمناقشة هذه الموضوعات، وتلعب صفحات التواصل الاجتماعي هذه دورًا ثوريًا مزدوجًا؛ فهي تندد بالأعراف المجتمعية وتطرح بديلًا للمصادر ذات التوجه الأوروبي، ومن الواضح أن هناك الكثير الذي ينبغي فعله إلا أن عملية تسليط الضوء على الموضوعات وتطوير لغتنا الخاصة لم تعد بعيدة المنال.

أصبحت الإنستغرامر نور (@thisismotherbeing) صوتًا هامًا من أجل التغيير عندما نشرت مقطع فيديو مباشر وعاطفي في أعقاب الجرائم التي ارتكبها أحمد زكي المتهم بالاعتداء الجنسي، حيث دعت إلى عالم أكثر أمنًا لابنتها وطالبت بأن يكون هناك مجتمع أفضل في مصر يقدّر النساء على قدم المساواة مع الرجال، وتلقت الكثير من دعم النساء الناطقات بالعربية حول العالم لتتحول صفحتها من مجرد مناقشة موضوع الحمل من خلال مهنتها – ولاّدة (قابلة) – إلى مناقشة موضوعات إضافية، مثل العادة السرية وكيفية الوصول إلى النشوة الجنسية وما الذي ينبغي مناقشته مع الشريك/ة قبل أول تجربة جنسية معًا، وتجلب نور تجربتها ومعرفتها دون أي رتوش إلى مساحة جوعى لهذه الحساسية والدعم، وتدعو متابعيها/متابعاتها إلى المشاركة في النقاش، وفضلَا عن نشرها لمشاركات ومقاطع فيديو قصيرة (reels) ومقاطع فيديو عبر تلفزيون إنستغرام (IGTV) فإنها تنشر قصصًا يومية تعرض من خلالها نضالاتها اليومية في عالم يفتقر إلى التثقيف الجنسي الكافي على نحو يجعل المشاهدين/ات/ يشعرون/يشعرن وكأنهم/ن في محادثة مباشرة وحميمية معها.

رأيي لا يهم هنا، فالعادة السرية أو إمتاع الذات عادة بشرية طبيعية بل ومفيدة، ولا يمكنني إخفاء هذه الحقيقة.أريد أن يتوقف الناس عن الإحساس بالخجل والذنب وغير ذلك من الأحاسيس الفظيعة. أريد أن يرى الناس أنهم “ليسوا مقرفين أو غريبي الأطوار وأنهم مثل الجميع!”كل المشكلات التي نراها سببها الجهل ونقص التثقيف الجنسي.أعتقد أنه يمكنني القول بأن التثقيف الجنسي أمر ضروري للغاية وليس اختياريًا.

الترجمة اسفل الصور لترجمة – @thisismotherbeing مقتطفات من فيديو لإنستغرامر و

موج (@mauj.me) صفحة رائدة أخرى على منصة إنستغرام مخصصة لتناول الموضوعات المحرمة والدفع نحو التغيير، وتجمع سلسلتها “حكواتية” قصصًا دون توقيع صاحباتها تكتبها وتقرأها نساء ناطقات بالعربية حول موضوعات تتراوح من الألعاب الجنسية إلى الجنس خارج إطار الزواج بل والكويرية، وقد حصدت موج مشاهدات تجاوزت المائتي ألف وهي توفر مساحة للمشاهدين/ات للتفاعل من خلال التعليقات وغالبًا ما يكون ذلك بفضول واهتمام وامتنان.

وبالنسبة للبعض، كانت هذه المرة الأولى التي يستمعون/يستمعن فيها إلى نقاشات منفتحة وصريحة بلغتهم الأم، وهو الأمر الذي يجعل صفحات مثل @thisismotherbeing و @mauj.me (وكذلك @dr.gael و @niswaorg، على سبيل المثال لا الحصر) هامة وضرورية من الناحية الثقافية في مجتمعات تفرض الجهل كآلية للهيمنة، وتشكل هذه الصفحات مواقع مثالية لقيام ثورة على الإنترنت تمنح النساء الاستقلالية عن طريق المعلومات وتعترف بتجاربهن وتعطيهن إحساسًا بالأمل لفهم أنفسهن وأجسادهن بصورة أفضل في بيئة منفتحة وآمنة.

وتيك توك موقع آخر للحوارات الهامة، لاسيما بين الشباب، وقد صادفتُ لأول مرة زيادة في تمثيل الكويريين/ات الناطقين بالعربية على التطبيق عندما كنت أتصفح “صفحة من أجلك” For You Page أثناء الإغلاق العالمي، و ريّا من بين مستخدمي تطبيق “التيك توك” الذين/اللاتي ينتمون/تنتمين لجيل واعٍ لذاته وغير مستعد للاعتذار عن ذلك، جيل يرفض أن يتم إسكاته، وقد أعطاني الحديث معهم صورة جيدة عن كيفية بنائهم لسردية أحدث وأفضل لكيفية فهم الناطقين بالعربية  لأنفسهم/ن وبعضهم/ن برواية تجاربهن (عوضًا عن اتخاذ “موقف الناشط” الموضوعي) وتخيل مستقبل أفضل للكويريين/ات وغير المنتمين/ات للثنائية الجنسية والجندرية في المجتمعات الناطقة بالعربية والمهجر، وبالنسبة لريّا يتمثل العائق الأكبر الذي يقف في وجه مستقبل شامل للجميع في الميل إلى الخوف من التصنيف ومدح السرية عوضًا عن ذلك، إلا أن الفئات المهمشة في المجتمعات الناطقة بالعربية والمهجر تتجه نحو عصر من “الازدهار لا مجرد النجاة”، وتوضح رغبة ريّا في التعبير عن ذواتهم علانيةً، مهما كانت الاستجابة أو ردود الفعل، أن المجتمع مستمر، وسيستمر، في التطور إلى مساحة يكون فيها تمثيل الكويريين/ات الناطقين بالعربية ليس مجرد أمر سطحي بل مقبولًا تمامًا.

لست أدعي أن هذه المنصات منفتحة ومتقبلة للجميع؛ فقد أوقفت منصة تيك توك حساب @itsmotherbeing مؤقتًا هي ومُثَقِّفين آخرين على المنصة بزعم “مخالفة إرشادات مجتمع تيك توك”، وهو ما يحدث عندما يقوم عدد كبير من الأشخاص بالإبلاغ عن صفحة ما، إلا أن هذا لا ينفي أن حوارات كتلك أوردتها سلفًا بالغة الأهمية لأنها تشكل بارقة أمل لأقلية مضطهدة في حين أن معظم الحوارات تركز على النضالات اليومية، وعلى الرغم من وجود نضالات بالتأكيد، فإن هذا يصعّب من إدراك إمكانية وجود مستقبل أكثر إشراقًا وشمولية يمكن أن نشهده ونحن على قيد الحياة والأشخاص والجماعات التي تعمل على تحقيقه، ويشير الخطاب والحوار اللذان يتكشفان في فضاء الإنترنت إلى التغيير الذي يلوح في الأفق، وتقاوم عمليات التمثيل والتمثيل الذاتي التي نراها على منصتي إنستغرام وتيك توك ما يُعتبَر عادةً من المحرمات وتلهم عالمًا أقل قسوة يمكن فيه للجميع الازدهار أيًا كانوا/كنّ، ومن الناحية المثالية، سيوفر المستقبل مساحة للجميع وليس للأقوياء أو أصحاب الامتيازات فحسب، ولا يبدو المستقبل مريعًا للغاية عند النظر من عدسات هذه الصفحات والمساحات.