English

بقلم شفاء القضاة
الصورة: الزيارة الأولى للمندوب البريطاني السامي هربرت صاموئيل لمدينة السلط عام 1920.

“حفل مشبوه في عمّان..”، “القبض على 8 أشخاص بعد مداهمة (حفل مشبوه)”،  “توقيف أشخاص بعد مداهمة حفل مشبوه”، “خلل أمني في حفل خاص في عمان”،  والكثير من العناوين ذات الفكرة الواحدة التي امتلأ بها أكثر من 29 موقعًا أردنيًا إخباريًّا محليّا – وهو ما تمكنت من رصده- يوم السبت (5/11/2022)، في روايةٍ منقولة عن محافظ العاصمة ياسر العدوان الذي قال إنَّ قوةً أمنيةً داهمت حفلًا مشبوهًا في عمّان مساء الجمعة، واعتُبره خادشًا للحياء وجرى توقيف 8 أشخاص دون ذكر أي تهمة في كل هذه المقالات وتحويلهم للجهات المختصة.

أثار الأمر فضولي فتواصلت (بصفتي صحفيّة) مع وزارة الداخليّة باعتبارها المسؤولة عن الأمن؛ لسؤالهم عما تعنيه كلمة “مشبوه” في تصريحها؟ وما الذي حدث ليتم “مداهمة” المكان؟ هل كان هناك ما يمس الأمن القومي أو يعتدي على سيادة الدولة؟ ولماذا تم توقيف 8 أشخاص من بين 120 شخصًا من الموجودين في الحفل؟ ولماذا قام المحافظ بتوقيفهم دون توجيه أي تُهم؟

وزارة الداخليّة ردّت على اتصالي الهاتفي، وتحدثت مع الناطق الإعلاميّ فيها لمدة 18 دقيقةً أخبرني بعدها أن حديثنا “Off record” – أي لا يمكنني نشر مضمونه هنا أو مشاركته مع أي أحد – وحين طلبت منه تصريحًا رسميًا طلب مني معاودة الاتصال به اليوم التالي وأن أتصل بمحافظ العاصمة الذي أمرَ بالتوقيف. اتصلت بالمحافظ الذي أبدى انزعاجه من سؤالي عن الحفل وأخبرني أنَّ هناك ناطقًا إعلاميًا في الوزارة وعليَّ الرجوع له! رُغمَ أنني كنت قد تحدثت مع الناطق من قَبل والذي عاودتُ الاتصال به في اليوم التالي – بحسب اتفاقنا- لكنه أرسل لي رسالة ردٍّ آليّ “هل يمكنني الاتصال بك لاحقًا؟”، أجبته “بالتأكيد”، وحين لم يعاود الاتصال، اتصلت به في اليوم التالي ولم يجب، فأرسلت له رسالةً أُخبره فيها أنني أحتاج تصريح وزارة الداخلية وإذا ما كان بالإمكان إرسال الأسئلة له عبر تطبيق “واتساب”، غير أنه لم يرد. كل هذه البيروقراطية والمماطلة زادت فضولي أكثر، لماذا تتعامل وزارة الداخلية والمحافظ مع هذا الحفل المشبوه بكل هذا الحذر؟ 

لماذا لم يحافظ المحافظ على رأيه؟
عُدتُ بعدَ ذَلك لتصفح التسعة وعشرين موقعًا إخباريًا – بعضها تابعٌ لصحفٍ ومحطات فضائية – أملًا في إيجاد أجوبةٍ لأسئلتي، إلا أنَّ النصوص كانت متشابهة، وكانت إمَّا على لسان المحافظ وتصريحاته أو على لسان الناطق باسم الأمن العام، في حين استند موقع الثقة نيوز على تصريحاتٍ لمصدرٍ مجهول قال فيه إنَّ الحفل كانَ “للشواذ” الذين تم توقيفهم من بين الموجودين، وأنَّ الأجهزة الأمنية صادرت مقاطع الفيديو الموجودة في المنشأة\المكان والتي تثبت حدوث المداهمة؛ للتحقق من عدم انتهاك المداهمة للأخلاقيات العامة.

في الساعة الثالثة وسبع وعشرين دقيقةً من مساء يوم السبت – انتشر نصّ الخبر الذي يقول فيه محافظ العاصمة أنَّ الحفل كان “خادشًا للحياء العام” وهو ما جعله مشبوهًا، وبعدها بساعة نشر موقع الوكيل الإخباريّ نصًا آخر يقول فيه المحافظ نفسه إنَّ الحفل لم يكن “خادشًا للحياء العام وإنما كانت هناك مشاجرة فيه” والتي تسببت بدخول القوة الأمنيّة. هذا التناقض في كلام المحافظ يفتح الباب على مصراعيه للعديد من التساؤلات.


لماذا غير المحافظ رأيه؟ وهل ساعةٌ واحدة كافيةٌ لتغير جذري كهذا؟ وهو ما جعلني أشك بمصدر الخبر فتحريت عن ذلك، وتواصلت مع زملاء لي في مواقع إخبارية نشرت الخبر وسألتهم عن مصدره ومن الذي أرسله لهم، وأكدوا لي أنهُ بيانٌ من الناطق الإعلامي في الأمن العام قام بتوزيعه على وسائل الإعلام عن طريق تطبيق الواتس آب، وهو ما لم أستغربه حقيقةً، إذ قرأت العديد من هذه البيانات التي يرسلها الأمن العام، ويمكنني تمييزها، إلا أنني لا أفهم أهمية نشر بيانٍ غير واضحٍ ومبهم، وطلبت من البعض (سكرين شوت) عن البيان إلا أنهم امتنعوا عن ذَلك خوفًا من العواقب أو إرسال محادثاتٍ خاصة بينهم وبين الأمن العام. وتلى البيان تصريحٌ آخر للمحافظ اعتبره كلٌ من موقع الوكيل الإخباريّ وصحيفة الشعب الإخبارية حصريًا لهما، ويناقض البيان الأول، وهو ما جعل الشكوك والفضول يسيطر على الموقف، ما الذي حدث في هذا الحفل حقا؟

يعلّق الصحفيّ الحقوقيّ محمد شما لـ”ماي كالي” إنه ليس من الغريب أن يصرح المسؤولون تصريحات متناقضة بما ذكروه مع أنَّ الأصل أن يعتذروا لمن تمت الإساءة لهم والتعامل معهم على أنهم مجرمين؛ لأن اقتيادهم للمراكز الأمنية وتصويرهم على أنهم مجرمين هي إساءة لهم ولسمعتهم، وبالتالي يحق لهؤلاء الأشخاص التقدم بشكوى. طالما هم ملتزمون بعدم التجاوز على القانون، معتبرًا أن قانون منع الجرائم يعطي صلاحيات فضفاضة للضابطة العدلية وموظفي وزارة الداخلية للتحكم بما يعتبرونه مخل بالآداب وأمن المجتمع، بمعنى أن يطال حرياتهم وحقوقهم تحت حجة أنه يمس بأمن المجتمع”.

ليلة الرعب 
في الساعة الثانية عشر وخمس دقائق بعد منتصف ليلة يوم الجمعة وصلَ مروان* إلى أحد الأماكن المرخَصة لحضور حفلٍ  مع أصدقائه في العاصمة عمّان لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بالمرح والضحك، خاصةً مع انهماكه بالعمل والحياة الروتينيّة طوال الأسبوع.

نهض عن طاولته وبدأ بالرقص مع أصدقائه على أنغام موسيقى الDJ العاليّة ، الجميع يرقصون في المنتصف وبين الطاولات، إلا أنَّ هذا لم يدم طويلًا حين ضجّت القاعة بالصراخ بسبب سماع صوت تكسّير نوافذ المكان وتطاير الزجاج! دب الذعر في القلوب، وتوجّه الناس تلقائيًا نحو الباب للهروب للخارج، فلا يمكنك التنبؤ بما قد يحدث بعد هذا التكسير، ولا تعرف إذا ما كان هناك مُخربون أو إرهابيون يرغبون بإلحاق الضرر بالآخرين. ومثل الجميع، ركض مروان ناحية الباب ليفاجئ برجال الشرطة بلباسهم الرسميّ يأمرون الناس بالتوجه للداخل ويشدّون الباب لإغلاقه من الخارج دون إبداء أية أسباب واضحة لذلك، توّتّرت الأجواء وبدأ الناس يتهامسون فيما بينهم/ن، “هل المكان غير مرخّص؟”، “هل هناك مجرمون؟”، “لماذا الشرطة في المكان؟”، “لماذا يُعاملوننا بهذه الطريقة؟ ما الذي فعلناه؟”… 

20 دقيقةً قضاها مروان في الداخل، قبل أن يدخل رجلان بملابس مدنية، ويتوجّها لشابين – أحدهما يرتدي ملابس أُنثويّة – ويقتاداهما للخارج دون إبداء أي سبب وبالإجبار، وكأنهما مجرمان مطلوبان للعدالة، ما حدث زاد توتر الموجودين، إذ بات كلٌ منهم يعتقد أن الدور عليه ليتم سحبه للخارج بلا سبب، غير أن فسحة الأمل ظهرت قليلًا حين فُتح الباب وسُمح لهم بالخروج واحدًا تلوى الآخر. يقول مروان الذي بدا وكأنه لا يرغب كثيرًا بتذكر ما حدث، “طلعونا برة متل الغنم صراحة، حسيت بالإهانة، ما بصير هيك، كتير سيء. وإحنا طالعين شفتهم بعتقلوا ناس تانيين”.

لا يعرف مروان لماذا اختاروا البعض دونًا عن غيرهم، ولا يتذكر ما رآه حين خرج من مكان الحفل من شدة الخوف، لكن العديد من الناس تجّمعوا في الخارج، وبدأوا بالتقاط الصور للموجودين، إضافةً لأجهزة الأمن التي صوّرتهم\ن دون احترامٍ لخصوصيّتهم أو منع الناس من تصوير ما يحدث حسب قول مروان، “خفنا يعني، ما حدا بحب يتصوّر بدون إذنه، قدام الناس وفي الشارع، الشرطة صورونا وخفنا ينشرو صورنا ويصير في خطاب كراهية ضد مجتمع الميم ومن هالحكي”.

ويروي الناشط الاجتماعيّ زيد* أنه قد تلقى مكالمة هاتفية متأخرة من أصدقاء يخبرونه أن الأجهزة الأمنية قامت بمداهمة حفلة فيها بعض الأشخاص المثليين والعابرين، وقام بمتابعة الأمر ليلتها مع مجموعة من الناشطين بحذر شديد، مُلخصًا ما حدث في الحفلة بقوله ” الشرطة اعتقلت ناس، تعابيرهم الجندرية ما بتتوافق مع المجتمع، من وجهة نظر الدولة”؛ إذ تم توقيف 8 أشخاص وفقًا لقانون منع الجرائم، متساءلًا “من أجل ماذا؟ ما هي الجريمة التي يتوقع المحافظ منعها!”. وهو ما يذكرنا “بسخرية الجنود الإنجليز من البدو في قوة البادية التابعة في وقتها للإنجليزي غلوب باشا بسبب شعرهم الطويل الذي يعتزون به، مطلقين عليهم ألقاب ساخرة مثل “فتيات غلوب” وأجبروهم في النهاية على حلقه” 1.

ويوضح شما “أنَّ المظهر العام، واللباس، والميول هي ليست جرائم حتى يحاسب عليها المحافظ، ولكن يظهر هنا معنى خدش الحياء العام الذي يمس الدين وبالتالي يكون هناك شرعية والتي تمس الضابطة العدلية ليقوموا بهذه الاعتقالات، القانون لا يقول حدد لباسك وهندامك”.

حماية الرجولة الاستعمارية
يمنح قانون منع الجرائم الأردنيّ والمكون من 17 مادة، صلاحياتٍ للحاكم الإداريّ بتوقيف واعتقال أي شخصٍ ورد بلاغٌ بشأنه فقط لمجرد الاشتباه به ودون إبداء الأسباب أو التهم، وهو ما حدث مع الأشخاص الذين تم توقيفهم في الحفل، وهو القانون الذي اعتقل به المثليين طوال السنوات السابقة. كما حدث في العام الماضي؛ إذ أمر متصرف لواء الشونة الجنوبية طايل المجالي اعتقال 14 شخص من المشاركين\ات في الحفل بمزرعة خاصة، باعتباره “حفلًا للشواذ”، اذ تم الوصول للحفل عبر معلومات “استخباراتية”، على حدّ وصفه، بحجة حماية الرجولة. 

“قانون منع الجرائم لا يوجد إلا في الدول المحتلة، مثل الاحتلال الإسرائيلي الذي يستخدمه في اعتقال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة”

القاضي علاء مصطفى


وهو ما يتناقض مع الدستور الأردني في الفقرة الأولى من المادة 7 في الدستور التي تؤكد بأن “الحريّة الشخصية مصونة”، فيما تنص المادة 2 بأن “كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون”، وأيضًا الفقرة الأولى من المادة 128 من الدستور الأردنيّ التي تؤكد بأنه “لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها”.

وفي تصريحاتٍ سابقةٍ لوسيلة إعلام محليّة قال القاضي المتقاعد علاء مصطفى إنَّ  قانون منع الجرائم هو قانون صدر في عهد قوات الاحتلال البريطاني عام 1927 لمواجهة الأردنيين الرافضين للاحتلال، وتم تعديله عام 1933، ثمّ تم تعديله  مرة أخرى عام 1954 ليستمر العمل به إلى الآن، مؤكدًا أنَّ “قانون منع الجرائم لا يوجد إلا في الدول المحتلة، مثل الاحتلال الإسرائيلي الذي يستخدمه في اعتقال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة”.

وفي تصريحٍ لوسيلةٍ محليةٍ أُخرى، أشار النائب زيد العتوم إلى أنَّ “الظروف السياسية هي التي أدت لإقرار قانون منع الجرائم المستمد من قانون العقوبات البريطاني، والذي كان مطبقًا في فلسطين والسودان والأردن، وكان الهدف منه تعزيز الوجود البريطاني والسيطرة على المناهضين لنفوذه في ذلك الوقت”.

في حين يلفت شما إلى أنَّ “المحافظ هو موظف في وزارة الداخلية ولديه صلاحيات تقتضي باحتجاز الناس، وهذا يزيد من إحباطهم بأن القانون ليس في صالحهم أو لحمايتهم، بل هو أداة يتم استخدامها في كثير من الأحيان لضبط نشطاء حقوق الإنسان، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم، وغيرهم”. 


لكن لماذا تغيرت طريقة تعامل الدولة مع اعتقالات المثليين هذا العام عن الأعوام الماضية؟ ففي السنة الماضية نشر الخبر بصيغة “حفل شواذ” بينما هذه السنة أصبح “حفل مشبوه” ثم تراجعت السلطة عن هذا واستبدلته ب”شجار في حفل”، فهل تحاول الحفاظ على صورتها كبلد يحترم مواطنيه أمام المجتمع الدولي؟ هذا المزيج بين القانون الاستعماري (قانون منع الجرائم) والمثلية الجنسية المزعومة دفعنا للتفكير بعلاقات المملكة مع السفارة الأمريكية التي لطالما تحدثت عن دعم الحقوق والحريات، وفي الوقت ذاته الداعمة للأجهزة الأمنية المسؤولة عن المداهمة.

لا يخفى على أي أحدٍ دعم الولايات المتحدة العسكريّ والأمنيّ للأردن وتدريب الكوادر ودعمها في المعدات الحربية، وهو ما يؤكد العلاقة المتينة بين البلدين، وفي الوقت نفسه عبّرت السفيرة الأميركية السابقة في الأردن أليس جي ويلز عن دعم بلادها لحقوق المثليين واعتبار أن حقوق الإنسان مرتبطةٌ بهم، وهو ما لم يبدو واضحًا حين تجاهلت السفارة الأميركيّة في الأردن أسئلتي حول ردهم على مداهمة الأمن الأُردنيّ لحفلة يوم الخميس. واعتمدت بردها المرسل بتاريخ 15/11/2022 ردا تقليدًا محفوظًا عن ظهر قلب مفاده  أنها “تعمل على تعزيز حقوق الإنسان للأشخاص المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيًا والشخصيات والمتحولين جنسيًا ..” وأنَّ ” “الولايات المتحدة لمناصرة القيم العالمية، بما في ذلك احترام سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان”.

ربما يكون هذا هو أحد أهم الأسباب لتغير طريقة تعامل السلطات المحلية مع اعتقالات كهذه، محاولة منهم في المحافظة على علاقتهم مع شركائهم الدوليين الذين يدربون قواتهم الأمنية على مثل هذه المداهمات.


التعتيم
هاتفت مركز العدل للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان في محاولة للوصول إلى أحد المحامين والتحدّث معهم حول قانون منع الجرائم، وتحدثت مع قسم الإعلام الذين طلبوا مني إرسال بريدٍ إلكترونيٍّ لهم يتضمن الأسئلة لكنهم و بعد المماطلة أخبروني أن رسالتي وصلت للمحامين وسيقومون بالرَد، وبعدَّ مضيّ أُسبوعٍ على اتصالي بهم وعدم ردّهم عاودت إرسال بريدٍ إلكترونيّ طالبتهم فيه بإخباري في حال لم يرد المركز الإجابة ومع ذَلك لم يجيبوا، وتجاهلوا البريد الإلكترونيَّ.

أما منظمة هيومن رايتس واتش فلم تقم بالرد علي كذلك – رُغم تواصلي معهم أكثر من مرة – كانت الأخيرة هي التي أخبروني فيها عن ضغط العمل لديهم واقترحوا  إيصالي بأحد العاملين في المنظمة للرد على أسئلتي، والذي لم يصلوني به لغاية الآن رُغم موافقتي على ذَلك.

وأحد القُضاة الذي تبوأ منصبًا في الدولة وامتنع عن نشر أقواله؛ حفاظًا على سمعته المجتمعيّة واحترام الناس له؛ لأن مجلة ماي كالي داعمة للمثليين – على حدّ قوله-.

وفي مثل هذا النوع من الأحداث بالكاد يمكنك معرفة القصة بالكامل، خاصةً مع كل هذا التعتيم الموجود حولها؛ العديد من وسائل الإعلام يحاولون جذب الجمهور لهم باستخدام كلماتٍ مثل؛ مشبوه وخادشِ للحياء حتى دون معرفة ما حصل، والحكومة تتناقض بتصريحاتها لتجامل المجتمع الدوليّ بأنها لا تنتهك حقوق أحد، والسفارة الأميركيّة تتهرب من الإجابة حتى لا تتعرى بأن خطاباتها مجرد حبرٍ على ورق …

 وبعض منظمات المجتمع المدنيّ الحقوقيّة المحليّة والدوليّة تنأى بنفسها عن المشهد وخاصةً إذا تعلقت القصة بمجتمع الميم عين أو ارتبطت به وكأنها تدعم كل الحقوق إلا حقوقهم، والأخطر من كل هذا أثر ما حدث على الضحايا، والشهود الذين يخافون الحديث بسبب ما مرّوا به وواجهوه، في محاولة السلطة الممنهجة في تدمير الصحة الجسدية والنفسية والجنسية لفئة كاملة من المجتمع مع سبق الاصرار، وأستذكر هنا ما قاله الناشط زيد خلال حديثي معه “نحن نحب البلد، ونريد البقاء فيها لكنهم يريدون إجبارنا على تركها بأية وسيلة”.


* الأسماء في هذا المقال مستعارة حماية لهم. 

  1.  جوزيف مسعد، آثار استعمارية، ص226