English

كلمات: تميم
ترجمة: نوارة ب
العمل الفني: لينا

اغتصاب وحشي؛ لا يسعني وصف تجارب حياتي بدقة كقطري كويري إلا على النحو التالي: العنف الذي طال أمده وإهانة شخصيتي وكرامتي من خلال ثالوث الدولة البوليسية والمجتمع الأبوي والمؤسسة الدينية، كلها حولتني إلى شخص عاجز عن العمل بأبسط مستوى بسبب الصدمات النفسية المستمرة على يد العنف المنهجي، دمرت هذه الصدمات شخصيتي وكلفتني كل شي وتركتني بشتات على أعتاب الانتحار، ومع ذلك فإنني أحكي عن نفسي فقط ولن أدعي أو أفرض أبدًا أنها تجربة كل القطريين الكويريين فإن العوامل التي تؤثر على تجربتنا هي أكثر تعقيدًا بكثير من مسألة ميول وحسب.

اعتبارًا بذلك، إن ضجة وسائل الإعلام الغربية السائدة قبل وأثناء كأس العالم – المونديال الذي يمكن تعريفه بالنسخة الأكثر تسييسًا على الإطلاق- استغلت القضايا المحيطة بتجاربنا وظروفنا المعيشية بطريقة اختزالية ومهينة؛ وتحولت إلى نشاط أدائي استغلالي من قِبل الغرب ومن أجل الغرب، وبعيدًا عن “تمثيلنا” بالتضامن معنا شعرتُ (أنا والعديد من الكوير القطريين) بالتعرض للازدراء والانتهاك من قبل صحفيين ونشطاء غربيين قد شقوا طريقهم لداخل صفوفنا وبثوا معلومات شخصية وحميمة مستخرجة لتشبع الجماهير الغربية الجاهلة والكارهة للأجانب، أدى ذلك إلى السخرية وإفشاء الذعر بين عائلاتنا وأصدقائنا الذين شعروا بأننا محرومون من إنسانيتنا ومعزولون أكثر عن أقربائنا وذوينا.. 

ظهر هذا المحتوى الإعلامي مع تكثيف الجماهير الغربية في الغالب دعوتها التبشيرية للقيم الأخلاقية مما وفر صورة استغلها الجمهور الغربي لإضفاء الشرعية على قضيتهم: يتعرض الأشخاص المثليون في الشرق الأوسط للاضطهاد بالمشاعل والمذاري، كما يتعرضون للاعتداء أو القتل من قبل القتلة العرب الهمجيين لمجرد وجودهم، في الواقع فوجئ الكثير من الغربيين عندما وصلوا إلى قطر ورأوا أن الواقع كان أكثر تفاوتًا من هذه التصورات المشوهة، رغم شيوع الانتهاكات عندما تتركز السلطة في أيدي عدد قليل من النخب القوية، وعلى الرغم من أن هذه الانتهاكات غالبًا ما تستهدف الهويات الضعيفة بطريقة تعسفية، فإن هذه التصورات التي تظهر وجودًا جماعيًا لـ “الكويرية المضطهدة” تضر أكثر من نفعها.

إن تداعيات الأفعال مثل تلك التي ارتكبها بيتر تاتشيل واحتجاجه الكارثي في قطر تصيبنا نحن ونحن فقط لأنها في الأساس تمحو هوياتنا وتاريخنا الكويري الأصلي للحفاظ على خطاب المنقذ الأبيض الخاص بهم، اختصرها أحد الأصدقاء هكذا: “العالم ليس عبء الرجل الأبيض؛ الرجل الأبيض هو عبئنا”.

لا يمكن تصور هذا بأوضح ما يمكن إلا في المقابلات مع الدكتور ناصر محمد، إن الدكتور ناصر رغم الإشادة به في الغرب إلا أنه ليس المسيح المخلص كما يراه أتباعه بالنسبة للخليجيين والعرب الكويريين الذين ما زالوا يعيشون في المنطقة، لسنا بحاجة إلى قطري (سابق) اختار مغادرة قطر من تلقاء نفسه للتحدث نيابة عنا، نحن ندرك أن سلطته وشرعيته (في نظر الجمهور الغربي) تعتمدان على رفض أو إدانة جوانب أخرى من هوياتنا، ويتضح ذلك في كل مرة يفضح فيها (التهديدات المدانة للغاية) القادمة من “المتشددين الرجعيين المصابين برهاب المثلية” على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكنني إلقاء اللوم عليه تمامًا لأنني أيضًا على دراية جيدة بالجهود الغربية الإمبريالية الواعظة للنشطاء والصحفيين الذين تواصلوا معي (وعاتبوني)، لقد رأيت عددًا لا يحصى من النشطاء الغربيين (معظمهم من البيض) يشعرون بالغضب نيابة عني ويوجهون سخطًا صريحًا عندما لا أردد وجهات نظرهم وآرائهم حول وضعي المزعوم كضحية وعندما لا أرغب في التحدث ضد بلدي أو طلب اللجوء في مكان آخر، أو عندما لا أتوافق مع تفكيرهم حول “العالم العربي”. على حد تعبير صديق لي ، “التمثيل ليس تحريرًا، لسنا بحاجة إلى إمبريالية قوس قزح “.

الأسوأ من ذلك أن هؤلاء النشطاء والصحفيين لا يدركون نفاق عملهم، إنهم يقدمون لي ولشبكتي فرصة لتمثيل أنفسنا ويقنعوننا بإجراء مقابلات مسجلة ويتظاهرون بالتضامن لاكتساب نظرة ثاقبة في حياتنا، وعندما يفشلون في القيام بذلك يقومون بتسوية المحادثات غير الرسمية التي يقدمها البعض بحسن نية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي توجه عمل هؤلاء الصحفيين والنشطاء، لقد أصبح من الشائع والمقلق أن يسيء هؤلاء الصحفيون والناشطون استخدام المعلومات التي يستخرجونها منا لترويج نفس الرواية الاستشراقية القديمة المتجانسة، ومن المفارقات أنه في نفس الوقت الذي يتحدث فيه هؤلاء الصحفيون والنشطاء عن التحرير والتمثيل والشفافية، فإنهم يفضحون أيضًا المجتمعات التي يدعون أنهم يخدمونها، عند مواجهتهم فإنهم غالبًا ما يصبحون دفاعيين ويمحورون أنفسهم و “نشاطهم”، ويثبتون أنهم غير قادرين على التفكير بشكل نقدي أو محايد في الطرق التي ينتهك بها عملهم مفهوم الموافقة ويزيد من تهميشنا في مجتمعنا الأصلي.

يبدو أن الغرب يشترط كيف تبدو مناصرة الأشخاص الكويريين: استعراض عام لرجال بيض يرتدون ملابس ضيقة محاطين بصور للجنسانية والأيقونات الكويرية الغربية التي لا مبرر لها، عندما نحاول إتاحة المجال لتراثنا أو قيمنا أو أنظمة معتقداتنا، أو عندما نحاول العثور على الرموز والشعارات والمختصرات ضمن تجربتنا الخاصة في الكويرية فإنه يتم اختزال القطريين الكويريين (وإثر ذلك الكوير الخليجيين) إلى “كويريين كارهين للذات” مع رهاب مثلية داخلي، فبدلاً من ذلك يتم التحدث باسمنا ونيابةً عنا وإدراجنا في مختصر LGBTQ+ والذي لا يعد جزءًا من لغتنا العامية، ما يفشل هؤلاء النقاد الغربيون في إدراكه هو أن رفضنا للقمع الذي نواجهه بسبب كويريتنا لا يعني بالضرورة أننا نكره بلداننا أو هوياتنا الوطنية أو الثقافية أو ديننا، وبالتأكيد لا يعني ذلك أننا على استعداد لأن نصبح قنوات لترويج أيديولوجيتهم العنصرية والمعادية للإسلام تحت شعار “الشمول”.

إن كان هذا الكم الهائل من المناصرة التي يقودها الغرب يؤدي شيئًا فهو يجعلنا نشعر بمزيد من عدم الانتماء والاغتراب، لأنه أدى إلى ردود فعل معادية ومليئة برهاب المثلية من مجتمعاتنا المحلية لا سيما من المثليين القطريين المكبوتين والذين يدعون المغايرة، إن تداعيات الأفعال مثل تلك التي ارتكبها بيتر تاتشيل واحتجاجه الكارثي في قطر تصيبنا نحن ونحن فقط لأنها في الأساس تمحو هوياتنا وتاريخنا الكويري الأصلي للحفاظ على خطاب المنقذ الأبيض الخاص بهم، اختصرها أحد الأصدقاء هكذا: “العالم ليس عبء الرجل الأبيض؛ الرجل الأبيض هو عبئنا”.

العمل الفني: لينا

إن دعوتنا إلى العمل لا تتواجد في نفاق الفاعلين الغربيين وهوسهم بالذات، فهو بدلاً من ذلك يهدف إلى إيجاد طرق يمكن من خلالها أن تعمل الكويرية من أجلنا وبلغة تتماشى مع مجتمعنا، مثال على ذلك إعادة صياغة النصوص الإسلامية لإفساح المجال لتواريخنا وثقافتنا، في الوقت الحالي نحن أقل اهتمامًا بالاعتراف القانوني من اهتمامنا بالوصول إلى المساحات والموارد حيث يمكننا الحصول على فوائد ملموسة، وهذا يشمل الوصول إلى الفحوصات الطبية للأمراض المنقولة جنسياً والتربية الجنسية الأساسية، وخدمات رعاية الصحة العقلية العامة التي لا تعزز الدورة الضارة للصدمة (كما هو الحال في كثير من الأحيان عندما يقدمها ممارسون دوغماتيون غير أخلاقيون)، وإنهاء علاج التحول الذي تديره المراكز السلوكية الممولة من الدولة وتقليص رقابة الدولة على مساحاتنا الشخصية ووضع حد لأشكال التخويف والاضطهاد التعسفية من قبل أفراد جهاز أمن الدولة، يمكننا أن نسلك طريق الاضطرابات المدنية لتحقيق هذه الأهداف تمامًا مثل لبنان في أوقات اليأس، أو يمكننا استخدام قوة التواصل والتأثير الذي اكتسبناه من الاندماج بنجاح في مجتمعاتنا والتفاوض معهم للحصول على مساحة أكبر.

يستغرق النهج التواصلي وقتًا لكن ليس هذا لأننا نخشى أن نواجه المشنقة إذا تحركنا، أنا أعترف أن موقفي هو الاستثناء من القاعدة، لكن العديد من الزملاء القطريين الكويريين يتمتعون بامتيازات أكثر من المحرومين والكثير منهم لا يريدون المخاطرة بخسارة الفرص أو إجبارهم على مغادرة المنزل أو القتال بمشقة ضد الوضع الراهن، إن الأفراد الذين على غرار الدكتور ناصر هم في الواقع جزء من أقلية صغيرة، الكثيرون لا يريدون ولا ينبغي إجبارهم على تقليص هوياتهم إلى كويريتهم، وبطريقة معقدة لا يزال الكثيرون يشعرون بالامتنان لما يفعله ملوك الخليج المستبدون لهم، شخصيًا إن الكويرية ليست سوى جزء من هويتي ولا تحدد وجودي بالكامل رغم تعرضي للاضطهاد بسبب ذلك معظم حياتي، وعلى الرغم من وابل تدقيق وسائل الإعلام الغربية لقطر فإنني لا أعتقد أن بلدي أكثر فسادًا من أي دولة سبق وأن استضافت كأس العالم أو أن شعبي أصبح غير متحضر أكثر من أي مجموعة، نحن فقط نفتقر إلى حرية التحشيد والتعبير عن محنتنا بطريقة آمنة بسبب نظامنا القمعي والاستبدادي.

توجد فصائل متعصبة بشكل خاص في المجتمع الديني في قطر تضطهد الكويرية والأشخاص الكويريين (ومنهم البعض في شبكة عائلتي المباشرة والممتدة) وتضطهد خاصةً أولئك الذين لا يتناسبون مع القالب المغاير حتى أن كثيرين يتمنون موتنا، ولكن من الحقيقة أيضًا أن بلدنا يتقدم بشكل عضوي من خلال الجهات الفاعلة المحلية مثلي الذين يعرفون كيفية العمل بفاعلية داخل إطار النظام لإنجاز الأمور، إن تمثيلنا على أننا مجرد “ضحايا للنظام” ليس مجرد استحقار ولكنه أيضًا يجردنا من قدرتنا على العمل في مثل هذا النظام البيئي الدقيق والمميز، هذا النظام الذي تعلمنا الوجود فيه بل إن البعض يزدهر فيه، إن اجتثاثنا من مجتمعاتنا لخدمة أجندات أجنبية – وتجاهل شرائح كبيرة من المجتمعات الغربية التي تلقي الشتائم علينا أو تصنفنا بالإرهابيين أو تجعلنا نشعر بأننا ضيوف غير مرحب بهم في الوقت نفسه يُظهر كم يمكن أن تكون تصورات الناشطين الغربيين منفصلة عن واقعنا.

الهامش
الآن وبعد انتهاء كأس العالم لم أعد غارقًا في الرسائل المتطفلة من صحفيي وسائل الإعلام الغربية السائدة (العديد منهم تلقوا رقمي من صحفيين آخرين دون موافقتي) يطلبون مني الكشف عن هويتي واستنكار بلدي على مسؤوليتي الخاصة، الآن بعد انتهاء كأس العالم ذهب بيتر تاتشيل وأمثاله إلى وجهة جديدة لمضاعفة ملفه من اعتقالات النشطاء، كما قلت وسائل الإعلام التي تبحث عن قصص عن مجتمعات الكوير في دول مجلس التعاون الخليجي لأنها أدركت أن “التمثيل” أصبح عديم القيمة خارج سياق البطولة.

مع استمرار دعم الحلفاء الحقيقيين، لدينا مساحة أكبر للتفكير في المستقبل والتأمل في الدروس المستفادة وبناء المنصات وفقًا لشروطنا الخاصة، على الرغم من أن هذه التجربة مرهقة ومثيرة للصدمة إلا أنها حشدت مجتمعات من الأفراد المتشابهين في الفكر والذين يسعون إلى الوقوف مع بعضهم البعض والسعي من أجل فاعلية أقوى خالية من دعوى الخلاصية الغربية.