بقلم موسى الشديدي
العمل الفني نزار دبور

 

منير بعطور رئيس الحزب الليبرالي التونسي، وأحد مؤسسي جمعية شمس التونسية “للدفاع عن حقوق المثليين والمثليات ومزدوجي ومزدوجات الميل الجنسي والعابرين والعبارات جنسيا”، حالما ترشح للانتخابات الرئاسية في تونس تسارعت المنصات الإعلامية الناطقة بالعربية على تغطية الخبر المثير للجدل والذي جلب لهم الكثير من المشاهدات، “ترشح أول مثلي عربي للرئاسة في تونس” “مثلي جنسيا في الانتخابات الرئاسية التونسية” “سابقة تاريخية بطلها مرشح مثلي للرئاسة”، هنا سأحاول مراجعة ونقد التغطية الإعلامية المكتوبة باللغة العربية لترشح السيد بعطور لرئاسة تونس، من خلال مراجعة عينة من مقالات وحوارات أشهر المنصات الناطقة بالعربية التي تناولت الخبر.

ذكر موقع  الحرة الأمر بشكل مقتضب ولم يتطرق إلا لميول بعطور الجنسية كسابقة “سيسجلها التاريخ”، دون تفسير كل هذا الاحتفاء في ترشح شخص ممارس للجنس مع ذات الجنس للرئاسة، قد يكون برنامجه الانتخابي في غاية السوء أو قد يكون مشروع دكتاتور جديد مثلا، في النهاية نحن لا نعلم شيئا عن ممارسات من سبقه الجنسية، ربما لم يكن هو أول ممارس للجنس مع ذات الجنس قد ترشح للرئاسة في تاريخ تونس،  في حين ذكرت DW دويتشه فيله معلومة جديدة وهي أن  بعطور كان قد سجن لثلاثة أشهر عام 2013 بسبب مثليته الجنسية وركزت كاتبة الموضوع دينا البسنلي على ميوله الجنسية أيضا وعلى ما يريد تحقيقه بمجال حقوق المثليين.

في حين تشابه كل من فرانس24 و جريدة النهار في الطرح المحايد، والتأكيد على مثلية المرشح ودعمه للاحتلال الإسرائيلي معا، فجاء في جريدة النهار “كذلك، يواجه بعطور تحديا آخر هو إقناع الناخبين بموقفه الداعم للتطبيع مع إسرائيل، علما أنه لا يخفي رغبته في بناء علاقات طبيعية بتل أبيب، كاشفا رؤيته إلى النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، بحيث قال صراحة في حوار مع جريدة “الصباح نيوز” التونسية  عام 2017، إنه لا يمانع في التطبيع الكامل مع إسرائيل، أو في زيارة الدولة العبرية”، أما فرانس 24 فذكر أنه قال “مصلحة تونس اليوم هي في التطبيع مع إسرائيل لما لها من تكنولوجيا متطورة يمكن لتونس أن تستفيد منها خاصة فيما يهم التنمية في المناطق الصحراوية”.

يبدو أننا عندما نذكر شيئا ما دون التعليق عليه يعني أننا لسنا ضده على الأقل، وخصوصا إن ذكرناه بسياق يبدو إيجابيا حول أنه “أول مرشح مثلي للرئاسة في دولة عربية” وعدم ذكر خبر سجنه في كل من النهار وفرانس24، يعطينا انطباع بأن هناك محاولة للتستر على سجله الجنائي، وإن لم يكن هذا تسترا فأن ذكر مثليته جنبا إلى جنب مع دعمه للاحتلال الصهيوني يرسخ واحدة من أكثر الصور النمطية المؤذية للمثليين والمثليات في المنطقة العربية، وهي أنهم عملاء للصهيونية وبأن إسرائيل هي مصدر هذا “الشذوذ” الذي تحاول من خلاله سحق “الأخلاق العربية والتقاليد”.

الحياد جعل النص يبدو مبهما لا تعرف ما إذا كان ضد أو مع المثلية الجنسية، ولا ما إذا كان ضد أو مع تطبيع الاحتلال الصهيوني، وبهذا صار تطبيع الاحتلال والمثلية متساويان على الرغم من أنهما ليسا كذلك، فالمثلية أمر شخصي لا يؤذي أحدا حيث يحق للشخص ممارسة الجنس بالشكل الذي يراه مناسبا طالما كان بقبول جميع الأطراف ورضاهم/هن دون ابتزاز أو استغلال، أما الاحتلال فهو قائم على الابتزاز والاستغلال وعدم الرضى.

أما Vice بالعربي في مقابلة مع أول مثلي عربي يترشح للرئاسة في تونس فوصفته “جاهر بالإفصاح عن مثليته الجنسية منذ سنوات عديدة رغم وعيه بتبعات هذا الخيار اجتماعياً وأمنياً وقانونياً. سجن لثلاثة أشهر عام 2013 بتهمة “ممارسة اللواط” ورغم ذلك عاد أكثر تمسكاً، وأسس جمعية شمس المدافعة عن حقوق المثليين في تونس. لم تكن المثلية الجنسية عائقًا لمنير بعطور 48 عامًا، المحامي ورئيس الحزب الليبرالي التونسي، الذي أعلن عن ترشحه للرئاسة ليصبح أول مثلي عربي يتقدم لهذا المنصب. Vice العربية التقت منير بعطور في مكتبه وجرى معه هذا الحوار”.
هذه كانت مقدمة الحوار الذي أجرته معه فاطمة عمر، سألته “هل تعتقد أن المجتمع التونسي جاهز لهذا التغيير؟” ثم عن التهديدات التي يتلقاها ومدى تأثيرها عليه وما إذا كان خائفا، ثم اختزلت كل موضوع التطبيع بسؤال واحد فقط “هل أنت مع التطبيع مع إسرائيل؟” ليجيبها “أنا في مع التطبيع مع إسرائيل بشرط احترامها لحقوق الفلسطينيين واعترافها بفلسطين كدولة ذات سيادة على حدود عام 1967.” أي باختصار أنه مع استمرار الاحتلال لأرض فلسطين المحتلة عام 1948 ولا يعترف بحق العودة ودماء شهداء الجيوش العربية والمخيمات، لكن بعطور كان قد ظهر على قناة i24 الإسرائيلية وتم وصفه “كمدافع عن إسرائيل” وشارك رابط الحلقة على حسابه الرسمي على موقع تويتر، وكل هذا وإسرائيل لم تحترم بعد حدود ال67 ولم تنسحب منها ولم تدعي أنها تريد الانسحاب حتى اليوم على الأقل، وهو ما  يناقض كلامه في أن شرطه للتطبيع معهم هو انسحابهم حتى حدود ال67، وهو ما يجعلها بحسب القانون الدولي دولة احتلال غير شرعية، لم تسأله عن كيفية ارتباط حملته الانتخابية بالتطبيع مع كيان غير ملتزم بالقانون الدولي، فاطمة اكتفت بهذا الجواب وانتقلت للسؤال الذي بعده “ما هي أهم نقاط برنامجك الانتخابي؟”، هل ذكر أنه مع التطبيع ثم الاحتفال بترشحه للرئاسة في ذات الوقت يعني أن المنصة مؤيدة للتطبيع مع الكيان الصهيوني أم تم التغاضي عن مناصرته للاحتلال بسبب ميوله الجنسية؟

لم تنصت أي من المنصات لصوت الجمعيات المثلية والنسوية التونسية، ولم تتراجع أي منهن عن ما نشرته، وهو ما يكشف أن هذه المنصات تجاهلت سلامة وأمن المجتمع المثلي الناطق بالعربية،


أما موقع درج فنشر لصهيب أيوب وهو كاتب مثلي لبناني خارج لبنان، مقالا تحت عنوان “عن معنى ترشح مثلي جنسيا لرئاسة دولة عربية“، يعود ويذكر قصة سجن بعطور عام 2013 دون كشف تفاصيلها، ويذكر أنه مناصر لإسرائيل “لكن هذا يعد تفصيلاً يمكن تجاوزه إذا ما تم اعتباره رأياً شخصياً وحسب” يمكن لصهيب بعد قليل أن يكتب عن مرشح يدعم الاغتصاب مثلا ويقول لنا انتخبوه هذا رأيه الشخصي فقط، أو مشجع لحرب أهلية جديدة أو كاره للمثلية أو كاره للعبور الجنسي بما أنه رأيه الشخصي فبحسب صهيب يمكن “تجاوزه”، ثم يكمل في الحديث حول حقوق المثليين وعن المساواة والعدالة، ويختم المقال قائلا “نعم لترشح منير بعطور، وكثر من أمثاله إلى الرئاسات العربية”، هل يُسمح بالترويج للصهيونية بهذا الشكل المباشر وبسياق يشيطننا كمثليين ومثليات على موقع عربي يدعي أنه يناصر مجتمع الميم، ولم يتراجع حتى اليوم عن هذا النص.

نشر موقع  رصيف22 اللبناني حوارا تحت عنوان “منير بعطور أول مثلي الجنس يترشح للرئاسة في دولة عربية” كانت قد أجرته الصحفية الأردنية فرح السعدي، تحتفي بترشح هذا الشخص للانتخابات بسبب مثليته الجنسية، “لم يتردد التونسي منير بعطور في الإفصاح عن مثليته الجنسية علنا، لم ينكرها بل سجن عام 2013 ثلاثة أشهر بسببها وعوقب وفق القانون التونسي بتهمة ممارسة اللواط” منحته مساحة للتعبير عن برنامجه الانتخابي، في نهاية الحوار تم اقتباس ما قاله بعطور حول حبه لإسرائيل بأنه “مع التطبيع الكامل مع إسرائيل في كل المجالات” وسألته عن مدى تأثير هذا الرأي على حملته الانتخابية.

الحقيقة المرة:
قصة سجن بعطور عام 2013 التي تناولتها المنصات كجزء من نضاله في سبيل حقوق المجتمع المثلي التونسي كانت ممارسة جنسية مع قاصر يبلغ من العمر 17 عاما ولم تكن ممارسة جنسية بين رجلين بالغين، فهل كانت المنصات المذكورة أعلاه تحاول التمويه والدفاع عن متحرش بالقُصَّر؟ خصوصا أن الصبي كان ينتمي لأحد الأحياء الفقيرة وهو ما يلمح لوجود استغلال طبقي ما.

لم تكن مشكلة بعطور الوحيدة هي التطبيع والتحرش بالقُصَّر فقط، حيث ظهر في فيديو منشور على اليوتيوب في شهر أبريل 2019 يهاجم النساء المحجبات ويشبههن بالقمامة ويهاجم المهاجرات المسلمات في أوروبا ويطلب منهن العودة إلى السعودية والعيش عند قبر الرسول محمد (ص)، أي قبل ثلاثة أشهر فقط من سلسلة هذه المقالات والحوارات معه والترويج له على أنه يريد العدالة والمساواة للمجتمع التونسي، والتغاضي عن هذه التصريحات ليس سوى أحد أبشع أنواع عدم المهنية الإعلامية.

وأوضحت الجمعيات المثلية والنسوية التونسية ومن خلال إصدار بيان مشترك، أن جمعية بعطور مارست سياسة فضح المثليين وتعريضهم للخطر في تونس و “ارتكاب جمعيّة شمس، والتي يرأسها السّيد بعطور، انتهاكات متعدّدة للحياة الخاصّة عبر نشر معلومات خصوصيّة وشخصيّة لأفراد من المجتمع الكويري دون رضاهم”، وأعاد البيان طرح دعم بعطور للكيان الصهيوني الذي مر في المنصات مرور الكرام، كسبب من الأسباب التي دفعت الجمعيات المثلية والنسوية التونسية “شوف” و”دمج” و”موجودين” و”موجه” و”ألواني” و”هن” و”النهوض بالحق في الاختلاف” وجمع “شمل” و”ترانس أوتكاست” وأخريات، على عدم مساندته في الترشح، وقام موقع انحياز بنشر البيان باللغة العربية.

لم تنصت أي من المنصات (أعلاه) لصوت الجمعيات المثلية والنسوية التونسية، ولم تتراجع أي منهن عن ما نشرته، وهو ما يكشف أن هذه المنصات تجاهلت سلامة وأمن المجتمع المثلي الناطق بالعربية، والجدير بالذكر هنا أن موقع رصيف22 عاد ونشر مقالا ضد بعطور دون التراجع للجمهور عن الحوار المروج لترشح بعطور المذكور أعلاه.

بين منصات اختزلت الموضوع في مثلية المرشح ولم تذكر أي شيء آخر عنه ومنصات أخرى ذكرت كونه مطبع إلى جانب مثليته الجنسية بشكل محايد حد الإبهام، بين منصات صورت قضية سجنه على أثر ممارسة جنس مع قاصر كبطولة، ومنصات أخرى جاهرتنا بأن التطبيع يمكن “تجاوزه” ودعت الله أن يكثر من المطبعين في الرئاسات العربية، وأخرى سارعت للنشر وفق مبدأ “معاهم معاهم عليهم عليهم”، تستر الجميع على مهاجمة هذا الرجل للنساء والمسلمين والمهاجرين بشكل مباشر، نأمل أن نكون بهذا المسح والتحليل والنقد غطينا أغلب أن لم يكن جميع اتجاهات الطرح والتناول لموضوع ترشح رجل حصد كل هذا التغطية الإعلامية فقط بسبب ممارسته الجنسية في غرفة نومه لا لأي سبب يتعلق ببرنامجه الانتخابي المميز.