بقلم ليزي فارتانيان كوليير
الصورةنُشرت بتصريح من/بموافقة ريم بطال
ترجمة هبة مصطفى
هذا المقال من ملف عدد ‘الزواج و الأعراس’ – هيكل العدد هنا

 

تلفت ريما بطال، ومسقط رأسها الدار البيضاء وتقيم حاليًا في باريس، الانتباه إلى الجسد الأنثوي من خلال التصوير الفوتوغرافي إذ تركز على التوقعات المجتمعية لما يجب أن تكون عليه هيئة المرأة خلال الطقوس والاحتفالات، وتقدم بطال بوضوح في سلسلتين – “روابط الزواج” (Les Mariees Liens) والتغيير/الاستعادة (Alterer/Desalterer) – صورًا أنثوية تتناول طقوس الزواج وتقاليده المحيطة بالأنوثة وجنسانية الأنثى.

وتصور سلسلتها الصادرة في عام 2019 (التغيير/الاستعادة) صورًا عدة لامرأة تمسك برتقالة مقشرة في جزء منها ومخيط في المواضع التي تمزقت من القشرة خيوط سوداء في محاولة لإغلاقها مرة أخرى لكنها تأبى أن تغلق، ثم تنتقل البرتقالة من يد لأخرى وتظهر مدثرة باللآلئ وموضوعة فوق كأس من الشمبانيا، وتبدو هذه الصور وكأنها استعارة عن تشريح الجسد الأنثوي؛ فالبرتقالة تظهر وكأنها شيء تتلقفه الأيدي ويحدد الآخرون مظهرها والغرض منها.

وفي سلسلة سابقة – (روابط الزواج) – صدرت في عام 2014، تصور ريم امرأة ترتدي ملابس العرس وتحدد خطوط كحل ثخينة عينيها وتغطي الحناء يديها وتزدان بالمجوهرات والملابس البراقة، لكن تبدو عليها آثار البكاء ويداها مكبلتان بسلاسل مرصعة بالجواهر كأصفاد، وعلى فراش زفافها تخفض رأسها وتختبأ خلف حجابها وتلف ذراعيها حول ساقيها وهي تضمهما معًا، وتشكك الصور في الروابط التي يخلقها الزواج باعتباره مؤسسة وطقس.

وتستكشف ريم بتناولها للجسد الأنثوي من منظور أنثوي أشكال القهر التي يمكن فرضها من خلال الطقوس، وتبدو الشخصيات التي تظهر في صورها – هي وصديقاتها – وكأنها تشعر بالبؤس أو الألم على نحو يلفت الانتباه إلى التأثير القاسي للتقاليد والطقوس التي تستهدف النساء على أجسادهن وصحتهن العقلية، وقد كتبت ريم مرة عن الجسد الأنثوي بوصفه أرضًا استعمرها الدين والمجتمع والإعلانات والتقاليد والخرافات، وفي صورها تزيل ريم طبقة الإيجابية الوردية المرتبطة بالتقاليد والخرافات، ومنها الزواج، لتكشف عوضًا عن ذلك عن المعاناة والعذاب الناتجين عنها.

وقد تحدثنا مع ريم عن اشتغالها بالتصوير والنساء اللاتي يظهرن في أعمالها وأهمية تمكين جنسانية الأنثى.

 

 

كيف يظهر الزواج والشرف والعذرية في عملك؟
الزواج حاضر في سلسة صوري – روابط الزواج – التي صممتها وأنتجتها في الأستوديو الخاص بي أثناء قضائي لفترة تخصص في الفن، وبالنسبة للعذرية فإنني أتحدث عنها بصورة مباشرة بالقدر ذاته لكن بالكلمات؛ فقد نشرت خلال الفترة بين شهر كانون الثاني/يناير وشهر نيسان/أبريل رواية “L’oeil des loups” (عين الذئاب) على موقع Hymen redéfinitions، وهي رواية مسلسلة أحكي فيها عن إجباري للخضوع لاختبار كشف العذرية وأنا في سن التاسعة عشر، وهي درامية ومضحكة في آن معًا وأنا فخورة جدًا بأنني قد قمت بذلك فليس فيها أي شيء من وحي الخيال أو الإبداع فكل شيء فيها حقيقي، ولم أتمكن من النهوض من سريري لأكثر من أسبوع بعد أن انتهيت من كتابة شهادتي، لكني الآن أشعر أنني أقل حِملًا بطريقة ما، ولهذا دعوتُ كل امرأة مرَّت بأمر مماثل إلى الإفصاح.

 

لماذا تعتقدين أن من الهام مناقشة الجسد الأنثوي في عملك؟
لم أقصد حقيقةً مناقشة الجسد الأنثوي على وجه التحديد؛ فقد بدأت التصوير الفوتوغرافي في أحد الأيام وكنت مهتمة جدًا بتصوير الأيدي والأوجه، وكان لدي هوس (كينك) بعض الشيء بالأيدي فاستمتعت كثيرًا بتصوير أصدقائي وصديقاتي، خصوصًا صديقاتي، ولم أهتم أبدًا بأوجه الرجال؛ فهي شفافة بالنسبة لي نوعًا ما ولا أراها، وكامرأة أتجنب عمومًا النظر إلى وجه أي رجل متوافق الجنس وغيري الميول الجنسية لأكثر من ثانيتين حتى لا يظن أني أحبه.

وفي البداية كان جُل اهتمامي بالأوجه والشعر وتصوير صديقاتي، وبينما كنت أقوم بذلك شعرت بأحاسيس غريبة لم أتمكن من تسميتها آنذاك؛ فقد أردت رؤية أجسادهن أيضًا وأردت رؤية شكل أجسادهن وكيفية اختلافها عن جسدي وهي عارية. صحيح أننا في المغرب لدينا حمامات يمكننا أن نرى فيها مختلف الأجساد العارية لكن نظري كان ضعيفًا للغاية ولم تكن العدسات اللاصقة شائعة حينذاك؛ لذا في الحمام كنت أرى أشباحًا دون نظارتي. كنت عارية وكانت كل امرأة أخرى – على الأقل صاحبات النظر الجيد – تستطيع رؤية جسدي لكني لم أستطع رؤية أجسادهن.

ولاحقًا بدأت في تصوير الأجساد العارية، وكان الأمر محاطًا بالسرية وفقدت جميع أعمالي الأولى تلك لأنها كانت غير قانونية، كما كنت خائفة للغاية واعتقدت أنها لم تكن أعمال هامة لأنها لم تشبه ما كنت أراه من الصور العارية، والآن أعرف أن هذه الصور كانت من وجهة نظر رجالية.

واليوم يمكنني نشر صورًا عارية على الإنترنت باسم مستعار، لكني عندما بدأت (عام 2007 تقريبًا) لم يكن الإنترنت متطورًا وسهل الوصول كما هو الحال الآن، وكانت الساحة الفنية صغيرة للغاية وتركز على عدد ضئيل للغاية من المعارض والاحتفالات.

وفي وقت ما بدأت أنظر إلى أجساد النساء لأنني كنت أرغبهم وأشتهيهم، وعندئذ أدركت أن من المستحيل عليّ تصويرهن على نحو مناسب وهن عاريات فكنت أغطيهن بالقفاطين والمجوهرات والكتابات اليدوية لأنني لم أسمح لنفسي باشتهاء المرأة التي أصورها، على العكس من الرجال متوافقي الجنس وغيريي الميول الجنسية فهم يصورون النساء ويشتهونهن ويحاولون مضاجعتهن.

قيدني جسدي وقيدتني رغبتي كمصورة ولهذا قررت استخدام جسدي في عملي – كما فعلت في سلسلتي (التغيير/الاستعادة)؛ فأنا لا أشتهي نفسي وبهذا أستطيع استخدام جسدي كما أريد دون الشعور بالذنب أو التشكيك في مهنيتي ودون الخوف من أن تشعر عارضاتي بعدم الارتياح.

 

“ويتم وضع الطقوس لخلق رابط مصطنع حيثما لا يكون هناك رابط واضح، وتصبح الطقوس جائرة عندما نكون خائفين من أن يخفق الحب في خلق مجتمع متضامن ومشترك، وتكون الطقوس قمعية عندما لا تكون متوافقة مع زمنها.”

من سلسلة – التغيير/الاستعادة (Alterer/Desalterer) للفنانة ريم بطال

أشعر بأن هناك شيئًا من الجنسانية في صور البرتقال (سلسلة التغيير/الاستعادة)، فهل قصدتِ ذلك؟ وما الفكرة التي تحاولين إيصالها إذا كان هذا قصدك؟
نعم، فقد تحدثت نوعًا ما عن القيود والحدود المفروضة على أجساد النساء، والآن أود التحدث عن الشبق ورغبة النساء الهائلة والقوية والمخبأة، ولهذا يظهر جسدي مغطى وعصير البرتقال يتساقط في منفرج ثوبي الساتان الزهري.

 

ما الذي تودين قوله عن سلسلة (روابط الزواج)؟ من هي المرأة التي تظهر في هذه السلسلة؟ هلا تحدثتِ عن العاطفة التي تعريها للكاميرا؟
إذا قلت شيئًا عنها فإن ذلك سيمنع الجمهور من إضفاء طابعهم/هن الشخصي عليها من خلال تجربتهم/هن أو رؤيتهم/هن لها، وستكون قطعة فنية خاصة بي أنا وحدي، كالوشم، وإذا أردت أن يكون لها معنى وحيد فلن أظهره وكنت سأخبئها ولن أعرضها في معرض.

المرأة التي تظهر بها هي صديقتي لامي، وهي من أكثر الأشخاص الذين أعرفهم فطنة وعبقرية، وهي ليست عارضة بل امرأة حقيقية وذكاؤها وعبقريتها ليسا هدية بالنسبة لها فهما الجحيم ذاته؛ فعندما تكون المرأة ذكية ومثقفة وغير غنية ومن خلفية لا تتمتع بامتيازات تكون الحياة قاسية للغاية.

ولامي تؤجل الإقدام على الانتحار كما يفعل الكثير.

وأنا أيضًا ولا أعلم لأي سبب غامض (الجبن؟ أم العرف؟) لكننا نتمكن من الاستمرار في الحياة وإبقاء الأمور على ما هي عليه – فارغة – ونحاول أن تكون حالة القصور أقل دمارًا، إلا أن الحياة في الواقع تشبه العيش في ثقب أسود؛ فنحن في حالة دائمة من السقوط، وفي الثقوب السوداء يتمدد الجسد حتى يتكسر ويتفكك، وعلى الأرض يفعل الجسد – من الناحية المادية – عكس ذلك: ينهار على نفسه لكنها العملية ذاتها تقريبًا؛ فنحن نسقط في الثقب الأسود ونولد ثم نستمر في السقوط، بل وربما نتمكن من تحقيق بعض المؤانسة في أحد الثقوب السوداء، لا أحد يعلم، ونبني الأشياء والمعتقدات كما نفعل في العالم المادي لأننا نرغب فيها بشدة.

ولهذا كانت لامي تشعر بشعور رهيب لأنني جعلتها ترتدي هذه الملابس التقليدية التي ترمز بالنسبة لها إلى الأبوية والقهر. الأمر أشبه باصطحاب شخص ملحد إلى مسجد من أجل الفن، فلا يمكنك تجاهل ما يشعر به من معاناة.

 

هل الألم الذي تتسبب فيه الطقوس الجندرية هو ما يجذبك إليها؟ وما الذي يجذبك إلى دراستها من خلال عملك؟
لابد من دراسة هذه الطقوس لفهم ماهية أصولها ولماذا أصبحت جائرة إلى هذا الحد، وأنا أعتقد أن كل شيء بغيض كان ورائه نية فاضلة في وقت من الأوقات، لكن وبطريقة ما يلجأ الناس دائمًا إلى الغرور والقهر والهيمنة، وتكمن مشكلة الهيمنة في أن الأمر لا يتطلب سوى شخص واحد لديه سلوك مهيمن لتتحول حياة شخص آخر إلى الجحيم ذاته، بينما يتطلب إصلاح ذلك أن يكون لدى البشرية الطامحة إلى السلام كلها عالم عادل ومسالم وهذا لن يحدث أبدًا، ولهذا فإن أفضل شيء نقوم به هو تمكين أشكال الجنسانية المختلفة وجعل الأمر جميلًا قدر الإمكان ودعم موافقة كل شريك وكل ما عدا ذلك هو وهم، ويتم وضع الطقوس لخلق رابط مصطنع حيثما لا يكون هناك رابط واضح، وتصبح الطقوس جائرة عندما نكون خائفين من أن يخفق الحب في خلق مجتمع متضامن ومشترك، وتكون الطقوس قمعية عندما لا تكون متوافقة مع زمنها.

من سلسلة – “روابط الزواج” (Les Mariees Liens) للفنانة ريم بطال

ما الذي تعنينه بقول “تعزيز الجنسانية”؟ ما هو المستوى أو النطاق الذي تتصورين حدوث ذلك عنده؟ هل يتيح لك التصوير الفوتوغرافي الثابت تحقيق هذا الهدف؟ وكيف؟
سيتيح لنا تمكين الجنسانية على كافة المستويات تحقيق المساواة والمتعة المتساوية والشفافية إلى أسرَّتنا وعلاقاتنا الحميمية، وبالتوقف عن “لعب دور العذرية” أو “البحث عن الطهارة” وبالتوقف عن الخوف من رغباتنا سنتمكن من استكشاف وتنمية احترام عميق للتراضي وأجساد الآخرين وأشكالها المختلفة، وعلى صعيد اجتماعي علينا الوقوف في وجه كل شيء سياسي يحاول التدخل في شبقنا وكل ما يهدف إلى استخدام أعضائنا الجنسية في السيطرة أو فرض القهر على أساس إلحاق العار بالجنسانية.

 

ما العمل الفني الذي تعملين عليه الآن؟
أعمل على سلسلة تدور حول الحيل التي نستخدمها لنكون “نساءً”، وكتاب صور يضم هذه الصور وسيصدر في تشرين الثاني/نوفمبر، وكتاب شعر بعنوان “Les quatrains de l’All-inclusive” (رباعيات شاملة) ستنشره دار Le Castor Astral وهي دار نشر فرنسية في شباط/فبراير، كما لدي معرض جماعي في آب/أغسطس في Little Big Galerie في مونمارتر بباريس بعنوان كارمينا، وأخيرًا أعكف على كتابة رواية تدور أحداثها في الدار البيضاء بالمغرب.

كما نشرت هذه الرواية المسلسلة، وهي في حقيقة الأمر قصتي التي تدور حول اضطراري لأن أثبت لأسرتي أنني “عذراء” عندما كنت في التاسعة عشر من عمري، وهي باللغة الفرنسية ويمكنك قراءتها هنا.