Article in English


بقلم موسى صالح

تحرير موسى الشديدي و خالد عبد الهادي

 

اشتهر الفنان المغربي الكندي مهدي بحمد بإنتاجه الفني غير النمطي، الذي يسعى من خلاله لمحاربة القيم والأنماط الغيرية المكرّسة في مجتمعاتنا الناطقة بالعربية. فبعد الفيديو كليب الأخير لأغنية “Rouge a levres” أو “أحمر الشفاه” التي تحدث فيها عن وصمة أدوات التزيين وحصرها بالنساء فقط، مؤكداً على أن أحمر الشفاه ما هو إلّا زينة لا تحدد الهوية الجندرية أو الجنسية، أصدر أغنيته المصورة الجديدة “HENNA” أو “حنّة” بالعربية. 

بحركات يدوية بسيطة يجسّد علاقته بوالده التي ابتدع من خلفياتها وأثارها كلمات أغنيته، يقول بحمد أنه استخدم زينة الحنّة التي اعتاد والده زراعتها في صغره في قريته “ايت زكان” في المغرب والمرتبطة بشكل كبير بالثقافة الإسلامية، حيث كانت النبتة المفضلة عند نبي الإسلام محمد (ص)، كدلالة على الثقافة المغربية والعادات والتقاليد التي يحتكم لها المجتمع المغربي والعربي بشكل عام، “كوسيلة لتضليل تلك العلاقات الأبوية التي تحيط به كشخص غير معياري الجنسانية مثل العائلة والمجتمع الإسلامي بشكل عام” عن “الأفعال المحرمة” التي يرتكبها فلا يرون أبعد من كفيه المقنّعان بالحنّة فيظنون أنه يسير على صراطهم. تلك النبتة التي يتخذها مهدي حصناً منيعاً له فيفعل ما يريد ويفكر بما يريد بدون الحاجة لموافقة مسبقة أو تصريح لأن ذلك القناع يبقى على الأقل الشيء الوحيد المضمون لرضاهم عنه.

في مواجهة مباشرة يلوم مهدي بحمد والده على تصرفاته تجاه أسرته حيث تحول إلى “رجل من صخر” لا يعرف سوى اللوم والعنف على ما يبدر من أسرته التي رعاها وفق تعاليم الدين الإسلامي وعمل من أجلها جاهداً ولكن بدون أن يسعى لمعرفة ما يحتاجونه حقاً، بدون أي مجال للنقاش أو تبادل للأفكار والمعتقدات.

كما يطرح بحمد نفسه في مواجهة كل المعتقدات والقيم التي لا تتقبل أي اختلاف، يتحدى إيمان والده بالجنة والنار فيتوعد بالتحليق عالياً ما بعد جنات الخلد التي سترفضه بحسب منطق والده وتأويله للإسلام، بسبب شذوذه عن التعاليم الدينية التي تكرّس الأبوية والنمطية الجندرية والجنسية وترفض أي طرح يخالف رأي والده، على المقلب الأخر يتمسك بحمد بجذوره وتقاليده المغربية بحيث أن جذوره ستحفر أعمق من النار التي هُدد بها.

مهدي من فيديو أغنية ‘حنة’

يضيء هذا العمل الغنائي المصوّر، من تأليف وإخراج مهدي بحمد، على العلاقة التي تحكم الأفراد اللامعيارّي الجنسانية أو الميول الجنسية المتمثلة بالهرمية الأبوية ككل من الأب وصولاً إلى المؤسسة الدينية والنظام السياسي، في محاولة للتعبير عن مدى اللوم والكره الذي يتلقاه أولئك الأشخاص لمجرد أنهم/ن غير مطابقين/ات للمعايير وأشكال العلاقات التي تفرضها تلك المنظومة. أكثر من ذلك، يتحدى بحمد بكلمات أغنيته سلطة تلك المؤسسات التي تدعي تحكمها بالجنة والنار معتبراً نفسه خارج تلك الأطر والتعاليم الموروثة لينال أبعد مما يوعدون. 

يحاول مهدي الهرب بعيداً عن نمط حياة ومعتقدات لا تشبهه وتقمع حقه في التعبير عن ذاته وأفكاره، لكنه سرعان ما يُمنع من قِبل والده، المتمثل باليد التي تعيد يد مهدي إلى ركبتيه، ليلعب معه لعبة كانا يلعباناها في صغره تسمى “دب الفار”، التي تقوم على حركات يدوية الهدف منها إضحاك الأطفال عبر دغدغتهم/ن من أسفل الإبطين، ولكن اللعبة لم تنتهي هنا بل تطاولت الأيدي التي تكاثرت يد بعد يد لتصل إلى عنق مهدي في تمثيل واضح للقمع الذي تعرض له في مجتمعه وما يزال يتعرض له العديد من أصحاب الممارسات الجنسية والأداءات الجندرية الغير معيارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحول العالم.

“من المهم جداً في وقت من الأوقات أن نفهم أن أهلنا ترعرعوا وتربوا في زمن غير زماننا، وعلينا أن نتخطى محاولات إقناعهم أو نيل رضاهم والمضي قدماً في حياتنا”

لا يظهر في الفيديو كليب أي شخصيات حقيقة أو أطراف أخرى غير مهدي ووالده والمجتمع، على الرغم من ضرورة الانتباه للدعم الذي تلاقاه مهدي وغيره الكثيرين من مجتمع موازي ومختلف كل الإختلاف عن مجتمع التقاليد والأنماط الحديدية أو من دوائر صغيرة تتمثل بأصدقاء والأحبة، لكنه هنا يظهر وحده في مواجهة والده ومجتمعه في إشارة إلى مدى صعوبة هذه العقبات في حياة الأشخاص غير معياريّ الجنسانية ومدى الأذى الجسدي والنفسي الذي يتعرضون له بغياب أية منافذ للنجدة، خصوصاً في المراحل العمرية الصغيرة. 

في حديثنا مع مهدي حول تطوّر نظرة الأهل في منطقتنا العربية لجنسانية أولادهم وبناتهم يقول إن الأمور بنظره يتطوّر تدريجياً نحو الأفضل ولكن ببطئ شديد كما تتحكم بتلك النظرة للأهل عدة أسباب منها الخلفيات الإجتماعية والسياسية. 

عن تجربته الخاصة يقول مهدي “هناك العديد من العوامل التي ساهمت في تغيّر نظرة والده وتقريب المسافات بينهم، أهمها والدته. والدته التي تتعاطف مع مهدي وأخته دائماً وتشعر بحزنهم من تلك الظروف وتحت تلك القيود الإجتماعية الصعبة وتدعمهم/ن في مواجهتها.” ذلك ما جعل والده يدرك أن التدين ليس بالضرورة عدم امتلاك قلب متسامح وعطوف.
يضيف مهدي عن علاقته بوالده بأن “الوقت ليس متأخر أبداً، أحب والدي وسأحبه دوماً”. “من المهم جداً في وقت من الأوقات أن نفهم أن أهلنا ترعرعوا وتربوا في زمن غير زماننا، وعلينا أن نتخطى محاولات إقناعهم أو نيل رضاهم والمضي قدماً في حياتنا” بعد تسجيل “HENNA” لأول مرة أبدى والد مهدي إفتخاره به، يعبّر مهدي عن سعادته بذلك الرضى غير المتوقع ويأكد على إيمانه بأن “تأثير الفن قوي جداً وفعّال”.

عن المنطقة العربية وتطلعاته لمجتمع الميم والأشخاص الكويرين يقول مهدي أننا جميعاً بحاجة إلى التجمّع والتواصل، الأمر الذي جعل منه التطوّر الرقمي أمراً ممكناً. “نمر بذات الظروف تقريباً، ولم نحصل على فرصة يوماً بأن نعبّر عن هوياتنا وثقافتنا بالوقت ذاته، لإبراز كيف يمكن للأثنان أن يجتمعا”. 

يتواصل مهدي بحمد مع جذوره العربية وثقافته بشدة ويبدو متحمساً لإبراز جمالياتها التي يحلم بها، ثقافة عربية أصيلة تتقبّل الأخر بأفكاره واختلافاته. “أتمنى أن نستطيع إعادة التواصل مع ثقافتنا وحضارتنا بدون الإحساس بضرورة الإنتماء إلى أطر وأنماط محددة. حان الوقت كي نحتفل بثقافتنا الغنية والجميلة”.

ختاماً، يعبّر مهدي بحمد عن حماسه وسعادته في حال أمكن عرض أعماله في المنطقة العربية يوماً ماً. ويؤكد على حاجته الشديدة الآن لمساحة أمنة يغذّي فيها شخصيته وجرأته ليقف بوجه الصعاب والمواجهات خصوصاً تلك الصادرة عن عائلته الكبيرة في المغرب والذي لا يريدها أن تؤثر على والديه بشكل أساسي.