تنبيه: هذا النص يصف مشاعر انتحارية قد لا تكون مناسبة للجميع.

 

بقلم آدم*
العمل الفني: عود نصر
هذا المقال من ملف عدد ‘الزواج و الأعراس’ – هيكل العدد هنا 



“اليوم عرس صديقك نورس، وانت متى سنفرح بك؟” قالتها أمي قبل ١٥ عاما، وتابعت بعدها تقشير البصل، سألتها “أمي لماذا تبكين؟” ردت بانفعال “من البصل”.

كنت في ال 26 مما يعدون، لكن من قال أن السنين تحسب بالأرقام؟ وأن غروب الشمس ينهي النهار، وإشراقها يعلن بدء يوم جديد؟ هم من قالوا وسحقا لهم على كل ما قالوا، يومي يبدأ بدمعة وينتهي بدمعة أخرى، كل دمعة  تنزل من عيني كانت تعلن بداية يوم ونهايته عندي. ولكم أن تقدروا كم يوم كنت أعيش خلال اليوم الواحد.

لاحظت أمي كما لاحظ جارنا أبو ياسر كما لاحظت وسادتي كم أنا حزين. لتبدأ نصائحم المحبة القاتلة، “تزوج لتجف دموعك” قالت لي أمي وتابعت “فقد أصبحت في عمر مناسب لتشارك أنثى سريرك، خالتك أسمعتني أنها لن تجد مثلك لابنتها سلمى”.

تزوج لتجف دموعك
سلمى بنت ال20 التي  كانت لا تفوت فرصة للتقرب مني، ذاك التقرب الذي كان يأبى إلا أن يجلب معه الإحراج والحسرة. حتى وصلت لمكان صار من الصعب فيه إلا أن أبادلها ما تشعر. وكانت القبلة الأولى لفتاة، وما أبشعها من قبلة، فقد أكدت لي  عجزي على أن أشعر بفتاة أكثر، ولكن لا بأس فهي لم تدرك هذا، فأنا كنجوم التمثيل قد أبليت حسنا. وكان أن علمت أمها بما حدث، فعيون سلمى كشفتها لتقع بفخ أمها وتبوح بأني قبلتها. لتخبر أمي وتحين لحظة التجهيز لمراسم الخطوبة.

ولكن هناك في أعلى الخزانة يوجد مجموعة من الحبوب الملونة الكافية لإيقاف ألم قطع رأس. ولكنها للأسف ما كانت كافية لإنهاء حياة شاب بائس، وابتلعت منها ما يملأ فمي ويملأ ما أشعر به من النقص، وانتظرت نهاية تعلن بداية راحتي. وما زلت أنتظر.

لست أنا فقط من كان ينتظر، أخي إياد أيضا كان ينتظر، وصديقي رائد، ومعاذ وزياد، كلهم كانوا ينتظرون. منهم من ينتظر حبيبته على باب مدرستها، ومنهم من ينتظر موافقة خطيبته على تحديد موعد الزواج، وآخرون ينتظرون قدوم مولودهم الأول، وما أجمله من انتظار، أما أنا فكنت انتظر أملا ورغبة بالنهاية، هم كانوا يسمونها نهاية الحياة، أما أنا فأسميها نهاية الألم، وما أبعدها من نهاية.

ربما يجب أن أتحرك أنا ولا أقف منتظرا لتأتي، قلت هذا لنفسي ثانية وبدأت الاستعداد، سكينة حادة، أو ربما حبل مشنقة، لماذا لا أستخدم البنزين والكبريت؟ هكذا كنت أختار كل يوم وسيلة للوصول للنهاية، ولكم أن تتخيلوا كم الوجع في اختيار الوسيلة الأسرع، ومقدار الألم في تصور أيهما أرحم وألطف في خطف روحي المنهكة، ولكن هل من خاف أن يصرخ ويقول هذا أنا وهذا ما أحب، له من القوة أن يقطع شريان أو يتدلى من مشنقة؟ أترك لكم الإجابة؟ كما تركت لكم كل شيء، على أمل أن تأتي الموافقة منكم على أن أعيش كما أحب أو كما يجب أن أعيش. 

ولكن عن أي موافقة أتحدث وممن أطلبها؟ ممن أعمى عينيه عن كل ما جرى ويجري بحق أمه وأخته وربما ابنته من انتهاك وتحرش؟ ممن قبل ويقبل زواج الرجل بأربعة (دون المرأة) وممن سمى تزويج الطفلات “حرية شخصية”؟

ما أطول الطريق وأصعبه للحصول على قبولكم، ربما بصعوبة الوصول للنهاية. سيكون من الأسهل لي أن أرتبط بفتاة، سأختارها بسيطة من عائلة محافظة، “الها تم ياكل ما الها تم يحكي” ومن أفضل من رشا؟ يكفي أنها مصابة بالسكر، لنتعادل، ويكون إعلان ارتباط رجل ناقص بفتاة يخفف مرضها من رغبتها لممارسة الجنس.

 

بحت لها بسري بعد أن غلفته بعار أقل من عار مثليتي، “اسمعي يا رشا: أنا عندي عجز جنسي، لن أستطيع أن أكون نور الشريف”، وقبل أن أكمل كانت دموعها تملأ خدها…

العمل الفني: عود نصر


“طلي بالأبيض طلي يا زهرة نيسان”
قالت أنها ترغب أن تزف على أنغام هذه الأغنية، وغاصت في التفاصيل، أريد أن نتدرب على رقصة أنا وأنت، وتعمقت أكثر، “أريد أن تقبلني كما هم في تلك البلاد البعيدة، قبلة على فمي أمام الجميع”. ولم تكتفي وبدأت تخبرني عن فيلم لنور الشريف وكيف مزق حبيبته في ليلة الدخلة، “نعم نعم مزقها ألا تصدق؟ من كثرة الحب”، هذا ما قالته ، دون أن أشعر وربما لأني شعرت كثيرا، بحت لها بسري بعد أن غلفته بعار أقل من عار مثليتي، “اسمعي يا رشا: أنا عندي عجز جنسي، لن أستطيع أن أكون نور الشريف”، وقبل أن أكمل كانت دموعها تملأ خدها وتغرق الحاضر والمستقبل بالف غصة وغصة، وقالت: “موافقة، أكمل حياتي معك أفضل من أكمالها في بيت أهلي”، لا أنكر، قالت هذا بحب ولكن لم أستطع إلا أن أراه كرها، “أكمل حياتي معك” قالتها بعطف، ولكني لم أستطع إلا أن أراه عطفا قاتلا، إن لم يقتلني الأن سيقتلنا في المستقبل.
لأستجمع قوة ألف رجل آلي لا تحركهم المشاعر، وأقول لها بنبرة صوت إلى الآن وأنا محتار كيف استطعت الوصول ليها، “أنا لا أقبل، وكما يقولون  نساء مجتمعنا عندما يهوي عليهن أقسى أنواع الظلم، الدنيا قسمة ونصيب يا رشا”. وأعود أعود إلى سريري لا شيء معي إلا الأحزان وكثير من الدموع، دموعي ودموع سلمى والآن دموع رشا.


النهاية
حتى تلاقينا، كان يكبرني بـ 5 سنين، أنا ابن الـ 30 خريفا، الناجي من 30 معركة وضحية 30 تجربة. أتذكر تماما يومها، كيف تحايلت وتحايلت لأعرف عنه أكثر، ليقول لي “سأختصر عليك الطريق، أنا كما أنت، أحب ما تحب، وأميل لما تميل، وأخاف مما تخاف”، فتوقف الزمن عندها بعد أن لجأنا إلى أقرب بناء مهجور في دمشق، لاختبر روحي بقدرتها على أن تكون فريد شوقي لا نور الشريف فحسب. هو وحش الشاشة وأنا كنت وحش الحياة الذي خرج من الجحر والمعتقل وقال للحياة أحبك كما لم يحببك أحد، واختبرت عدت للمنزل للمرة الأولى  وأنا أغني عبد الحليم. ربما سأقدم يوما ما لبرنامج اكتشاف مواهب وستسمعون صوت الشاب الحر العاشق القوي المبدع الذي يغني دائما للحياة. صحيح أن حبيبي تزوج لافتقاره أي حجة تمنعه من الزواج أمام أهله ومجتمعه، وكان لابد له أن يظلم نفسه ويظلم زوجته. ولكنه كان لي الباب والنجاة لاكنس التراب والحسرة عن قلبي وعقلي.