Article in English

 

بقلم: بولس دانيال حنا
العمل الفني: ياسمين دياز
تحرير: مهى محمد
ترجمة: مايا أنور

 

مع عولمة الحوار حول حقوق مجتمع الميم، أصبح أفراد هذا المجتمع ذوي الأصول الشرق أوسطية عالقين بشكل متزايد في سياسات الهوية في كل من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمجتمعات الغربية متعددة الثقافات التي تتعايش فيها الأقليات المختلفة.

زاد الخطاب المعاصر الذي يصف ما هو “غربي” وما هو “غير غربي” من حدة هذه السياسة. تنادي الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في الغرب بأن حقوق مجتمع الميم، وحقوق النساء، والحرية الجنسية قيم غربية أساسية تتناقض تماماً مع قيم الأقليات العرقية التي لا تدعم هذه المعتقدات فحسب، بل وتهددها أيضاً.

في ذات الوقت، فإن الحكومات حول العالم، كما هو الحال في بروناي والشيشان وأذربيجان وإندونيسيا وأوغندا ومصر، تُعزز من شرعيتها الأخلاقية باتخاذ إجراءات صارمة ضد مجموعات مثل مجتمع الميم ونجمات الغناء الذين يتَحدّون علناً المعايير الاجتماعية عبر مقاطع الفيديو الاحتجاجية، أو بالتسييس، أو بالانخراط علناً في قضايا تمتد من التلوث وحتى الجنس. على سبيل المثال، يقول ناشطون حقوقيون في مصر إنهم يشهدون أقسى حملة ضد مجتمع الميم والفنانات منذ عقود، كما يتضح من ملاحقة واعتقال عدد متزايد من الفنانات على مدار السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك شيماء وشيرين عبد الوهاب، والأحداث التي تلت رفع أعلام قوس قزح خلال حفل فرقة “مشروع ليلى” في 2017. مُنعت الفرقة اللبنانية من إحياء حفلاتها في البلاد. وبالمثل، مُنعت الفرقة عدة مرات في الأردن لأنه ووفقاً لمحافظ العاصمة، أغاني الفرقة ’تتضمن كلمات لا تتوافق مع طبيعة المجتمع الأردني‘.

رغم ذلك، يجد الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طرقاً لمجابهة رهاب المثلية والعبور الجنسي بمساعدة النشطاء والفنانين المحليين. في الوقت نفسه، فإن الكويريين ذوي الأصول الشرق أوسطية المقيمين في الغرب هم الذين يشجعون الناس على حب من يريدون وأن يكونوا على حقيقتهم. إلا أن  ذلك يجبر نشطاء مجتمع الميم في الغرب على مواجهة النبذ من المجتمعات التي غادروها، والاتهامات بالامتثال للقيم الغربية (وخيانة الأعراف الشرقية)، أو الإقصاء المحتمل من الانخراط في القضايا الإقليمية، أو تشويه سمعتهم كنشطاء.

واجهتُ عدداً من هذه المشكلات بنفسي كرجل كويري من أصل قبطي مصري يعيش في هولندا، في كل من مجتمع الميم الهولندي ومجتمعي العرقي. أنا منقسم بين اثنتين من الأقليات اللتان تبدوان على طرفي نقيض، وربما نتيجة لذلك، أشعر بالوصم داخل كلتيهما وأحاول باستمرار تحقيق التوازن بينهما. على سبيل المثال، كان رد فعل أفراد مجتمع الميم في الشرق الأوسط إيجابياً وسلبياً عندما بدأت الكتابة عن سياسات الهوية وهويتي العربية الكويرية؛ أثنى بعض الكويريين على إظهاري للصعوبات التي يواجهونها، لكن آخرين أخبرني بأنني غير قادر على إدراك هذه الصعوبات لأن أغلب نشأتي كانت في الغرب.

تواصلت مع نشطاء من مجتمع الميم ذوي أصول شرق أوسطية ويعيشون في الغرب، وتحدثنا عن التحديات التي يواجهونها وهم يمضون قُدماً في حياتهم.

واجهت الناشطة داليا الفغال (29 عاماً) ردة فعل عنيفة لإعلانها عن علاقتها المثلية علناً على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء إقامتها في مصر قبل انتقالها إلى السويد. استمرت داليا في التحدث علنا عن الاضطهاد الذي تواجهه، لكن يتم انتقادها من قِبل نشطاء آخرين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أنا أمثل نفسي وصراعاتي الشخصية. لقد كنت مهاجرة في السعودية، أو الولايات المتحدة، أو أوروبا. لم أذهب إلى هناك بسبب امتيازاتي فقط؛ عملت بجد للوصول إلى حيث أنا الآن. رغم ذلك، تعرضت للهجوم من قبل من يسمون أنفسهم نشطاء كويريين “راديكاليين” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي حجة مبنية على تأكيد أنني لا أمثل جميع أفراد مجتمع الميم. هذا الإنتقاد صحيح: أنا لا أمثل المجتمع، أمثل نفسي ورحلة حياتي. تعرضت كذلك للهجوم من قبل نشطاء كويريين (راديكاليين) من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذين يخبرونني أنني لا أستطيع إيجاد ما يربطني بهم وبصراعاتهم. ما ذكرته هو أمر متأصل في امتيازاتي المفترضة، لكن لا يمكننا اختصار الامتياز بمجموعة محددة من المعايير. أعرف أشخاصاً كويريين يعيشون في مصر ضمن أُسر متحررة ويمكنهم أن يكونوا على حقيقتهم، وأعرف آخرين في الغرب نشأوا في أُسر محافظة ولا يمكنهم أن يكونوا على حقيقتهم، حتى أنهم يواجهون أحياناً تهديدات بالقتل. لحسن الحظ، تلقيت أيضاً ردود فعل إيجابية من أشخاص كويريين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذين يرون في وجودي، على النقيض مما سبق من إنتقاد، قوة وإلهاماً. ينبغي لنا التركيز على معالجة المشاكل التي نواجهها بدلاً من محاربة الكويريين الذين يحظون بالاهتمام. كلنا نستحق أن تتم رؤيتنا وسماعنا.

“لا تنتج الصراعات التي أواجهها شخصياً في الغرب عن هويتي الكويرية. تنتج فقط عن خلفيتي العرقية…”

سامر عويضة (22 عاماً)، ناشط ولد في فلسطين ومقيم في شيكاغو، يُردد ويُعمق تعقيدات الامتيازات التي وصفتها داليا من خلال وصفه لتجربته الخاصة في أمريكا وكيف استُقبل عمله.

أن تكون كويريا ومهمشاً هو أمر عالمي، وأعتقد أن بعض الأفكار الثقافية حول الجندر والجنسانية تلحق بنا إلى الغرب. أعيش في جنوب غرب شيكاغو، والتي تسمى أيضاً ’فلسطين الصغيرة‘، وهي منطقة متدينة ومحافظة للغاية، ولم تُسهّل علي أن أكون كويرياً على العلن. من الوهم الاعتقاد بأنك حر تماماً بمجرد الانتقال إلى هنا [إلى الغرب] وبأنك ستتمتع بحياة كويرية رائعة، مثلاً، زواج المثليين. لا يزال هناك الكثير من العنف ضد المجموعات الكويرية في الولايات المتحدة، كما يتضح من ارتفاع معدل تشرد الكويريين الشباب وقتل العابرات جنسياً… في النهاية كل شيء مرتبط بالطبقية. في بلد كلبنان، يمكن للأشخاص الكويريين تجنب عنف الدولة إذا كانوا ينتمون لطبقة معينة. في الحي الذي أقطن فيه، تسببت لي منشوراتي على وسائل التواصل الاجتماعي بأوقات عصيبة. لحسن الحظ، تلقيت الكثير من ردود الفعل الإيجابية من أفراد مجتمع الميم في كل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والغرب، يشكرونني على جعل المصاعب التي نواجهها مرئية… ما يحفزني هو حبي لشعبي – علينا التوقف عن إهدار وقتنا بالجدال والتقليل من قيمة مصاعب كل فرد منا وعلينا أن نتحد ونقاتل من أجل حقوقنا.

مينا كامل (31 عاماً)، كاتب وفنان بصري ينتمي للجيل الأول من المصريين الأمريكيين من كاليفورنيا ومؤسس “قصص كويرية قبطية“، وهي مجلة إلكترونية تُعنى بالجندر والجنسانية والعرق والدين، وتهدف إلى تسجيل تجارب الأقباط الكويريين من الجالية القبطية. يضع كامل تجربته في هياكل قوى أوسع نطاقاً، مدعيا أن الكويريين ذوي الأصول الشرق أوسطية في الغرب يواجهون نفس قوى التهميش التي يواجهها الكثير غيرهم من الأشخاص الكويريين ذوي البشرات الداكنة، بما في ذلك العنصرية والإيذاء.

كويريتي ليست منفصلة عن أصولي الشمال أفريقية وليست منفصلة عن كوني ذكراً وليست منفصلة عن إلحادي وليست منفصلة عن كوني أمريكياً. رغم أننا قد نشارك بعض التاريخ والتراث مع كويريي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه من المهم تحديد أوجه التشابه الثقافية فيما بيننا. لا يحدد التأثير الثقافي معايير أي حركة سياسية معينة وحسب، وإنما يحدد أيضاً سياقها وتطورها. بما أننا نتشارك في بعض القواسم الثقافية، فقد نتمكن من إدراك أو تخيل هذه القضايا ضمن ثقافاتنا المتنوعة في بلاد الغربة. ولكن هل يمكننا التعريف عن أنفسنا كجزء من كويريي جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، وتعريف صراعاتنا كجزء من صراعاتهم الفعلية؟ لست متأكدا. يوجد علاقة، رغم أنها قد تكون معقدة في بعض الأحيان. ومع ذلك، فهذا لا يعني أنه لا يمكننا تقديم دعمنا بشتى الطرق أو تقديم استراتيجيات بشأن ما يُجدي وما لا يُجدي للمغتربين منا.

يضطر الكويرييون من الأقليات العرقية في الغرب، وخصوصاً المسلمون منهم، على المفاضلة بين كويريتهم وثقافتهم. قال يزن العُبيد (34 عاماً) الذي ولد في بغداد ولكنه فر مع أسرته إلى النرويج قبل 18 عاماً:

أرى تشابهاً بين صراعاتي والمشاكل التي يواجهها الكويرييون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكنني أعتقد، على الأقل في أوروبا، أن الأمر يتعلق بالهوية، في حين أن الكويريين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يواجهون الاضطهاد وعنف الدولة والحقوق القانونية. في النرويج، لدي شعور بأنه علي الاختيار بين أن أكون كويرياً أو مسلماً، لا يمكنك أن تكون كليهما دون أن تتعرض للوصم من كلا الجانبين – القومية المثلية أمر جاد في أوروبا.

أمير عاشور (29 عاماً) هو مؤسس “عراق كوير“، واحدة من أولى منظمات مجتمع الميم العراقية التي تركز على التعليم والمناصرة. ولد ونشأ في العراق إلى أن بلغ 24 عاماً، ويقيم الآن في السويد، حيث واجه العنصرية والتمييز ضد اللاجئين.

لا تنتج الصراعات التي أواجهها شخصياً في الغرب عن هويتي الكويرية. تنتج فقط عن خلفيتي العرقية. أعتقد أن العنصرية مشكلة تعاني منها السويد. الموارد المقدمة للاجئين مختلفة تماماً عن الموارد المقدمة للآخرين مما يضعنا في وضع سيئ. وفي الوقت نفسه، عانيت من التمييز والعنف في العراق، سُجنت مرتين، وتلقيت تهديدات من مجموعات متعددة. تعرضت للهجوم من قِبل أصدقائي، ولم يعد لدي اتصال بأي من أفراد عائلتي الممتدة. كوني أعيش في الغرب لا يعني أنني لم أعد أواجه التمييز أو أن سنواتي الـ 24 في العراق قد مُحيت. في الواقع، أعتقد أن ذلك يساعدني على رؤية ما هو ممكن والعمل على تحقيقه في العراق، لكن قد يكون ذلك مختلفاً بالنسبة لشخص ولد ونشأ في الغرب ولم يسبق له أن عاش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لا أقول إن مساهمتهم ليست صحيحة، ولكننا نحتاج إلى إدراك أن دورنا يختلف عن دور الكويريين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في عراق كوير، أنا الواجهه أمام الملأ. أقوم بالمناصرة على الصعيد الدولي، وألتقي بالحكومات، وأجمع التبرعات، وغيرها من المهام التي تتطلب مزيداً من الظهور. لكن زملائي في الميدان يقومون بالتوثيق وإعداد التقارير والتأكد من أن مجتمع الميم يُطلعنا على الاحتياجات باستمرار، وعلى ما ينبغي لمشاريعنا أن تركز عليه.

من الضروري أن يأخذ الشخص بعين الإعتبار أن موقفه في مجال المناصرة قد يتغير بسبب الخبرة أو الموقع الجغرافي، والاحتياجات المختلفة لمجتمعات الكويريين ذوي الأصول الشرق أوسطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقابل الغرب. نور آن عبد الله (41 عاماً)، كويتية مقيمة في أمستردام، انتقلت أيضاً إلى أوروبا قبل 6 سنوات بسبب هويتها الجندرية، لكنها ما زالت تساعد منظمات مجتمع الميم الدولية عن بُعد.

يعاني الكثير من أفراد مجتمع الميم الذين يغادرون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من اضطراب ما بعد الصدمة الناتجة عن عنف الدولة. الفرق هو أنه في الغرب، ستحميك الحكومة إذا لم تساندك عائلتك، بينما يواجه كويرييو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العنف من أسرهم والحكومة على حد سواء.

على الرغم من خضوعها لقواعد ثقافية متماثلة، إلا أنه من الواضح أن صراعات الكويريين ذوي الأصول الشرق الأوسطية في الغرب تختلف عن صراعات نظرائهم في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يواجه الكويريون ذوي الأصول الشرق أوسطية في الغرب صراعات مماثلة لغيرهم من الأشخاص ذوي البشرات الداكنة هناك، بما في ذلك العنصرية والإيذاء، ويضطرون إلى المفاضلة بين كويريتهم وثقافتهم. قد لا يجد كويريو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يربطهم بهذه القضايا، تماماً كما قد لا يجد الكويريون ذوي الأصول الشرق أوسطية في الغرب ما يربطهم بمسألة عنف الدولة التي يواجهها الكويريون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مع ذلك، وعلى الرغم من أن رواياتنا قد تختلف، إلا أن النشطاء من كلا المجموعتين يشكلون صدىً لأصوات الناس في جميع أنحاء العالم ويجب عليهم متابعة التواصل فيما بينهم والعمل معاً لجعل مجتمعاتهم ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على اتساعها مكاناً أفضل للأشخاص الكويريين.